الحياديّة ونظرة الإسلام إليها

#مقال العلامة المرجع #السيد_محمد_حسين_فضل_الله (رض)

قد تكون الحياديّة بين باطل وباطل، وقد تكون بين الحقّ والباطل، فالحيادية بين الباطل والباطل هي أمرٌ يوافق عليه الإسلام، لأن المسألة تتحرك من جهتين، إذ لا شأن لك بهذا الباطل لتقويه بموقفك، ولا شأن لك بهذا الباطل لتقوّيه بموقفك، بل دع الباطلين يتصارعان، وانظر إليهما، واستفد من تجربة هذا الصّراع فيما تتعرّف عليه من خلال خصوصيّة قوّة هذا الباطل أو ذاك، من أجل مواجهة الباطل الآخر في صراع جديد، وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ (ع) في قوله: “كُن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهرٌ فيُركَب، ولا ضرعٌ فيُحلب”، وهذا يفسّر الموقف من الفتنة فيما إذا كانت بين باطلين، أو في موقف لا يعرف به الحقّ من الباطل، فعند ذلك، لا تدع أحداً يركبك إلى هدفه، ولا تدع أحداً يحلب طاقاتك إلى مواقعه.

وربما نحتاج في بعض الحالات أن نغلّب باطلاً على باطل، عندما يكون هناك باطلان أحدهما أقوى والآخر أضعف، وهنا يكون الخيار لك بعد دراسة دقيقة جدّاً على المستوى الواقعيّ، بأن تعطي الباطل الضّعيف شيئاً من القوّة ولو السلبية، من أجل أن يتغلّب على القوّة الأخرى الأقوى، حتى تتفرغ في مرحلة لاحقة لباطل ضعيف لتقضي عليه في نهاية المطاف، وذلك بأن تتعاون مع هذا الباطل الضعيف على الباطل القويّ، ثم لتجهز على الباطل الضّعيف، وهذا يدخل فيما يسمى في هذه الأيام بالتكتيك.

غير أنّ هذه المسألة تحتاج إلى دراسة دقيقة فيما يسمى بالاستراتيجية والتكتيك، وما يصطلح عليه بالغاية وبالهدف وبالوسائل التي تحركها نحو الهدف، فإذا كانت المسألة مسألة حقّ وباطل، فيحرم عليك الحياد، لأنّ الحياد هنا يضعف الحقّ، من خلال أنك تأخذ منه جزءاً من القويّ الذي هو الحقّ، والذي يفترض أنك من أهله، فإذا كنت من أهل الحقّ، ودخل الحقّ ساحة صراع، فإن الحق يحتاج إلى كل طاقة من طاقاته ليواجه الصّراع من خلال ذلك، ولذلك، فإنك إذا حجبت قوتك عن الحقّ، فإنك تكون قد نصرت الباطل، ولكن بطريقة سلبيّة، لأنك أضعفت الحقّ، ولهذا قال عليّ (ع) عن بعض الناس الذين وقفوا في الحياد بينه وبين معاوية: “خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل”، وإن خذلان الحق من ناحية عملية قد يكون نصرة للباطل ولكن بطريقة سلبيّة.

وقد ورد في حديث الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع): “أبلغ خيراً وقُل خيراً ولا تكُن إمّعة. قلت: وما الإمّعة؟ قال: لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إن رسول الله (ص) قال يا أيّها النّاس؛ إنما هما نجدان، نجدُ خيرٍ ونجد شر، فلا يكن نجد الشّرّ أحبّ إليكم من نجد الخير”.

وإذاً، فلا بدّ أن تعطي موقفك، وهذه هي وصيّة عليّ (ع) في آخر حياته: “كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً”.

*من كتاب “النّدوة”، ج 4

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …