الحديث عن إعادة إعمار سوريا تجاوز الهمس الإقتصادي الدولي والإقليمي، وبدأ يشكل حيزاً كبيراً من تحضيرات شركات القطاع الخاص والمؤسسات الدولية المعنية. صفقات بملايين الدولارات تُبرم في كواليس كبرى الشركات، والعين على لبنان البلد الجار لسوريا المتميز بموقعه الجغرافي وقربه من البحر ومرافئه العديدة والقريبة من الحدود السورية.
قبل أيام تمّ افتتاح معرض إعادة أعمار سوريا 2016 في دورته الثانية، على أرض مدينة المعارض في دمشق، بتنظيم من مؤسسة “الباشق” للتجارة والمعارض، وبمشاركة 122 شركة عربية ودولية، ومنها شركات روسية وبيلاروسية وألمانية وفرنسية وإندونيسية وباكستانية وإيرانية ولبنانية. الشركات تنافست على عرض المعدّات والآليات والمواد والتقنيات التي تحتاجها عمليات التشييد والبناء، وكانت مؤسسة “الباشق” في 29 نيسان الماضي عقدت مؤتمراً في بيروت في ثاني محطاتها الترويجية للمعرض في فندق “غولدن توليب” في الجيه.
وزني : بدأ التحضير ولبنان سيستفيد
الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني أشار إلى اتصالات ولقاءات غير معلنة حصلت في بيروت بشأن إعمار سوريا، تتخطى أهميتها انعقاد هذا المؤتمر بمئات المرات. وفي حديث لـ “لبنان 24” أكّد أن لبنان مقبل على دور محوري في إعادة إعمار سوريا “عاجلاً ام آجلاً ستتوقف آلة الحرب في سوريا، وهي بمثابة كبسة زر. فلبنان أمضى خمسة عشر عاماً في الحرب الأهلية، وعندما أُتخذ القرار الخارجي، توقفت الحرب وانطلقت ورشة الإعمار” .
وأضاف وزني: “هناك دراسات أولوية وتحضيرات انطلقت لمواكبة العملية السلمية عند حدوثها بعد سنوات، ولبنان سيلعب دوراً فعّالاً وأساسياً في القيام بها، لجملة أسباب أبرزها العامل الجغرافي وقربه من سوريا، والعلاقات بين البلدين الجارين بصرف النظر عن طبيعة النظام المستقبلي، فضلاً عن خبرته وتجربته الرائدة في إعادة ما دمّرته الحرب الأهلية والعدوان الإسرائيلي، وما لديه من علاقات مع الشركات الأجنبية، ولبنان مؤهل وقادر على الإستفادة بشكل كبير، لدينا الخبرة والموقع الجغرافي والإتصالات واليد العاملة والطاقات”.
لكن في المقابل أشار وزني إلى تحديات أساسية تواجه مرحلة إعمار سوريا، وتكمن في مصادر التمويل، “كلفة إعادة الإعمار لا يمكن تحديدها بدقة، ويتم الحديث عن أنها تتجاوز الـ 240 مليار دولار، وهناك علامات استفهام حول الجهة القادرة على التمويل. فسابقا كانت العين على دول الخليج، ولكن اليوم في ظل تراجع أسعار النفط عالمياً منذ العام 2014، وتراجع مداخيل الدول الخليجية النفطية، لن يتوفر التمويل بسهولة، كما أنّ المؤسسات الدولية ليست جاهزة لضخ الأموال بسرعة. وهناك تحدٍ آخر مرتبط بطبيعة النظام المستقبلي وعلاقته بمصادر التمويل”.
الحلو : طرابلس منطلق إعمار سوريا
رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة المهندس مارون الحلو لفت بدوره إلى أنّ ملف إعادة إعمار سوريا أصبح متداولاً بشكل يومي في الأوساط الدولية والإقتصادية . وفي حديث لـ “لبنان 24” أكّد أن العديد من الموفدين الدوليين يزورون لبنان لهذه الغاية “ونحن كلبنانيين معنيون، ولاسيّما كقطاع مقاولات، لدينا المؤهلات والإمكانات لنكون رائدين في هذا المضمار. فخبرتنا بالبناء في الخليج العربي وفي أوروبا وأميركا أعطت شركات المقاولات قوة دفع وخبرة، فضلاً عن الكادر البشري من العاملين والمهندسين اللبنانيين، والشركات الدولية ستحتاج إلى التعاون مع شركات لبنانية بحكم الجوار، ونتطلع إلى هذا السوق على أنّه سوق واعدة”.
لمدينة طرابلس أهمية استثنائية في مرحلة الإعمار، نظراً إلى لقربها من الحدود السورية ، ومرفأ طرابلس القادر على استقبال البواخر بفضل عمقه وطاقة استيعابه، وتجهيزه برصيف للحاويات، فضلاً عن قدرة معرض طرابلس الدولي الذي يمتد على مساحة مليون متر مربع، على إقامة معرض دولي لقطاع البناء يضمّ كل الشركات المعنية. ومنذ أشهر يتوافد ممثلو البنك الدولي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وهيئات المجتمع الدولي إلى طرابلس، لمعاينة مؤهلات المدينة عن كثب.
في هذا السياق يقول الحلو “ننظر إلى طرابلس على أنها المنطلق في عملية إعادة الإعمار هذه، ولقد حصلت العديد من الإتصالات في هذا الشأن مع رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي توفيق دبوسي. فالمرفأ مؤهل لإستلام كل البضائع والآليات لتنطلق إلى سوريا، ومن الممكن تأهيل مطار القليعات لهذا الهدف، فهو يبعد سبعة كيلومترات فقط عن الحدود السورية، ويمتد على مساحة 5،5 ملايين متر مربع، مدارجه طويلة بمقدار 3200 متر وقادرة على استيعاب الطائرات الكبرى”.
إذا كان من المبكر الحديث عن المرحلة التنفيذية لإعمار ما هدّمته كافة أسلحة الكون في سوريا، ولا سيما أن الحرب مستمرة وقد تمتد لسنوات طويلة، إلا أنّ المرحلة التمهيدية انطلقت، وإدراك القطاع الرسمي والخاص في لبنان لأهمية مواكبة هذه المرحلة، يجعلنا على عتبة ازدهار اقتصادي، لبنان في أمس الحاجة إليه.
لبنان ٢٤