عاد الرئيس سعد الحريري الى لبنان ليل أمس، بعد غياب 18 يوما كانت فيهم كل المواقف متناقضة الى حدود ″الانفصام″، بدءا من الحريري نفسه الذي قدم إستقالة معلبة وملتبسة من الرياض خالفت كل سلوكه السياسي الذي كان عليه قبل مغادرته على عجل الى السعودية، مرورا بأركان تيار المستقبل الذين إختلفوا على توصيف إقامة ″زعيمهم″ في المملكة بين الاحتجاز والاقامة الجبرية وحجز حريته أو إطلاقها بالكامل كونه موجود في بيت أهله، وصولا الى الدعوة السعودية لمبايعة شقيقه الأكبر بهاء الذي ما لبث أن أصدر بيانا أكد فيه دعم شقيقه سعد من دون ترجمة هذا الدعم بزيارته لا في الرياض ولا لدى وصوله محررا الى فرنسا.
الفرحة العارمة التي إجتاحت أنصار ″تيار المستقبل″ بعودة الحريري ليل أمس، والتعليقات والتغريدات المهنئة بسلامة الوصول والتي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، لا تتلاءم مع واقع ″الحرية″ التي قيل أن الحريري كان يتنعم بها في السعودية، كما أن الدعوات المستقبلية الى التجمع ظهرا عند بيت الوسط لاستقباله وتهنئته بالسلامة وإعلان التضامن معه، تخالف بشكل واضح مواقف قيادات المستقبل التي رفضت منطق الاحتجاز أو الاقامة الجبرية، باستثناء الدائرة الضيقة جدا المحيطة بالحريري والتي بذلت جهودا مضنية دوليا وإقليميا لتحريره.
هذه التناقضات تطرح سلسلة تساؤلات لجهة: إذا لم يكن رئيس الحكومة محتجزا في السعودية، وإذا كان حرا طليقا فيها وموجودا لدى أهله وعائلته، وإذا كان قدم إستقالته عن قناعة وعن سابق إصرار وتصميم، وإذا كانت القيادات المستقبلية تؤيد هذه الاستقالة وتعتبرها نافذة، وإذا كانت كل الأجهزة الأمنية أكدت في بيانات رسمية أنه لم يكن لديها أية معلومات أنه مهدد بالاغتيال، فلماذا كل هذه الدعوات للحشد الجماهيري أمام بيت الوسط؟، وهل هذا التجمع هو من أجل شد العصب الأزرق؟، وكيف يفسر المستقبليون هذا ″الانفصام″ في المواقف والتصرفات والسلوك؟.
يشير مطلعون الى أن الرئيس الحريري سيكون محرجا جدا في رفع السقف السياسي في وجه خصومه الذين وقفوا الى جانبه وتضامنوا معه خلال ″غربته″ وأبدوا حرصا عليه وعلى وجوده على رأس الحكومة أكثر بكثير من بعض أركان تياره الأزرق أو من حلفائه في قوى 14 آذار، علما أن الأسباب التي دفعته الى الاستقالة وهي عدم إحترام مبدأ ″النأي بالنفس″، رد عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بنفيه القاطع التدخل في اليمن أو باطلاق أي صاروخ باتجاه السعودية، أو بإرسال السلاح الى الكويت والبحرين، فضلا عن إعلانه الانسحاب من العراق بعد الانتصار، وإستعداده للحوار الداخلي.
هذا الواقع سيجعل الحريري أمام مفترق طرق، فإما أن يقدم إستقالته خطيا الى رئيس الجمهورية وينقلب على كل هذه الايجابيات ويعود الى المربع الأول لجهة الهجوم على حزب الله وحلفائه بمن فيهم التيار الوطني الحر الذي جاب رئيسه جبران باسيل القارة الأوروبية لتأمين أوسع تضامن دولي معه ومع لبنان، ويعيد بالتالي تجييش الشارع بما يحمل ذلك من مخاطر عودة التوترات الأمنية، أو أن يؤسس لتسوية جديدة منقحة مستفيدا من الكلام الهادئ للسيد نصرالله، ويخيّب آمال الجمهور الذي من المفترض أن يحتشد في بيت الوسط.
من ظواهر ″الانفصام السياسي″ أيضا هو دعوة القوات اللبنانية الى التجمع في ساحة الشهداء بالتزامن مع عودة الرئيس الحريري الى بيت الوسط، تعبيرا عن دعمه والتضامن معه، في وقت تبدو فيه العلاقة بين القوات والمستقبل في أسوأ أحوالها، خصوصا بعد الاتهامات التي وجهت من أكثر من مصدر أزرق تلميحا الى رئيس القوات سمير جعجع بالتآمر على الحريري في السعودية وإقناع ولي العهد محمد بن سلمان بعدم قدرته على الحكم، وهذه الاتهامات تُرجمت كلاما من العيار الثقيل بين أنصار الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تُرجمت في إنتخابات نقابة محامي طرابلس الأحد الماضي، عندما رفض محامو التيار الأزرق إنتخاب مرشح القوات اللبنانية باسكال ضاهر، لأن القوات خانتهم في انتخابات نقابة أطباء الاسنان في طرابلس قبل ذلك بأسبوع ولم تعط أصواتها الى مرشح المستقبل طوني شاهين.
منقول – صحافة لبنانية