ولد الشاعر العاملي موسى الزين شرارة، ابو عدنان، في بنت جبيل 1902. توفي والده وهو في السادسة من عمره. بدأ تعليمه في الكتَاب فتتلمذ على شيخ البلدة فتعلَم الأبجدية وتجويد القرآن، وفي العام 1913 دخل المدرسة الرسمية وكانت مدرسة تركية تدرس اللغة التركية، ودهش حين وجد النحو العربي يدرس باللغة التركية؟
كانت هذه المدرسة آخر عهد الشاعر بالمدارس النظامية, لأنه تابع تحصيله العلمي واكتساب ثقافته الأدبية بنفسه, فقصد مجالس العلماء والأدباء الذين كانوا يتندرون الشعر, ويحفظونه, ويروونه ويحللًون صوره ولغته, ومن هذه المجالس مجلس الشيخ علي شرارة العالم والأديب والشاعر الذي اهتم بالشاعر وقدم له التشجيع.
انضمً الشاعر فيما بعد الى “عصبة الأدب العاملي” الى جانب الشيخ عبد الكريم مغنية, والشيخ محسن شرارة والشيخ علي الزين والسيد هاشم محسن الأمين والشيخين محمد شرارة وحسين مروَة اللذين نزعا عمامة المشيخة فيما بعد. وقد عملت هذه العصبة على تجديد الأدب العاملي والنهوض به وأتخاذه وسيلة لتحريض الشعب ضد الأستعمار .
وفي العام 1936 اعتقلته سلطات الإنتداب الفرنسي مع مجموعة من المناضلين، إثر انتفاضة بنت جبيل الشهيرة انتصاراً لقضية مزارعي التبغ, والتي استشهد فيها مصطفى العشي من بنت جبيل, ومحمد جمَال وعقيل دعبول من عيناتا. وقد بقي معتقلآ في سجن الرمل في بيروت شهراً كملاً.
وكان الشاعر في تلك الفترة ينشر قصائده الوطنية الداعية الى مجابهة الإستعمار وعملائه على صفحات مجلة العرفان التي رعت نشأته الأدبية, بشخص مؤسسها الشيخ أحمد عارف الزين, و مجلة العروبة الدمشقية.
ولكن سلطات الإنتداب لم تتركه وشأنه لأنها أعتبرته المحرض الرئيسي على الإنتفاضة المذكورة, ولأنه كان واحداً من ضمن الوفد العاملي الى “مؤتمر بلودان” في السنة اللاحقة 1937. فقد اعتقلته هذه السلطات أكثر من مرة وحاولت إغتياله وضيَقت عليه حريته وتحت هذا الضغط النفسي الخاص والعام هاجر الى سيراليون عام 1937 ولكنه أثناء وجوده هناك ظل متابعاً للقضايا العالمية والقومية والوطنية ويتجلى ذلك في مجموعة من قصائده التي كتبها في المغترب. وقد عمل هناك على توحيد الجالية اللبنانية وقام مع النائب رشيد بيضون والصحافي كامل مروَة بالتجوال على المغتربين اللبنانيين في أفريقيا وجمعوا التبرعات للمؤسسة العاملية.
عاد الشاعر موسى الزين شرارة عام 1946 إلى لبنان ومعه مبلغ من المال كهدية من المغتربين الى دولة الاستقلال الفتية وسلَم المبلغ الى رئيس الوزراء يومذاك وأعلن عن ذلك في الصحف.
وبعد رجوعه إلى الوطن, وبعد أن نال لبنان الإستقلال الذي ناضل الشاعر من أجله, بدأت المعاناة الكبرى في داخله, لأنه لم يجد من هذا الاستقلال سوى الإسم, ولم تجن البلاد منه سوى المحاصصة الإقطاعية والطائفية والمذهبية فراعه الأمر وكعادته, لم يسكت بل شهر شعره سيفاً ماضياً على هذا التزوير الخطير الذي تمارسه الدولة بحق المواطنين، وخصوصاً تزوير انتخابات 1947، فحاولوا اغتياله ثانية في هذا العام بإطلاق النار على منزله, وحضر المسؤول عن مخفر الدرك الى منزله واعتذر منه قائلاً: “لو كان بحوزتنا كلاب بوليسية لعثرنا على الجاني فوراً”، فأجابه الشاعر: “لو كان عندنا ماذكرتم لعثرنا على الدولة أولاً!”
وبعد هذه المحاولة التي أدمت مشاعره, أحس الشاعر بالغربة النفسية, فوجد نفسه يغرد خارج سربه, ولكنه لم يتراجع, بل زادته هذه المسألة قناعة, بتوسيع دائرة العمل الإجتماعي والوطني, لأن القضية لم تعد مواجهة الإنتداب, ونتائجه فحسب وإنما تطال قواعد الحياة كلها في الإجتماع والثقافة والاقتصاد والسياسة وكان ذلك نقطة تحول جوهرية في حياته الشعرية، بحيث انطلق إلى مواكبة الجيل الصاعد بأفكاره وتطلعاته.
وفي العام 1948 شارك في الدفاع عن فلسطين, وصار بيته واحداً من البيوتات التي كانت ملتقى للمناضلين وللشخصيات العربية الذين كانوا يفدون إلى بنت جبيل ليكونوا على مقربة من حرب فلسطين، ومنهم: مؤسسو حزب البعث ومجموعة الضباط القوميين والبعثيين الذين تركوا الجيش السوري والتحقوا بجيش الإنقاذ.
وكان الشاعر من ابرز الوجوه الجنوبية لحزب “النداء القومي” الذي أسسه كاظم الصلح وجمع ماكان يعرف يومذاك بـ “إخوان رياض” ومنهم: شفيق لطفي, نزيه البزري, معروف سعد, علي بزي, زهير عسيران, وشفيق أرناؤوط.
وفي العام 1952 انتخب بالإجماع رئيساً لبلدية بنت جبيل ثم أعيد انتخابه مرة ثانية فتفرغ لإنماء البلدة في جميع الميادين ولكنه لم ينقطع عن كتابة الشعر والمشاركة في الحياة الثقافية والسياسية العامة بل ظل الصوت الهادر بالحق والقلم الحر الكاشف للحقيقة والشيخ الذي يسكن الشباب في عقله ونبضه حتى آخر أيامه حتى وفاته في الأول من أيلول عام 1986.
رحلته مع الشعر
كان في الثانية عشرة حين دوَن خواطره على ركن بيته الترابي القديم عما يجيش في نفسه على الاتراك حيث قال:
يابن عامل يا رفيقي طوَلت بها النومي كتير
نشفت قلبي وريقي إنت وتقللي بكير
إنت وتقللي استنى لابد إلي من يقظة
الفرصة راح تفلت منا والعمر بكره بيمضى
نما الحس القومي في فكره ووجدانه باكراً فشكل مع مجموعة من الجنوبيين والسوريين حركة تطالب بالوحدة السورية ومن أبرز رواد هذه الحركة: فخري البارودي, السيد محسن الأمين, وعلي بزي. وقد أثمر نضال هذه المجموعة عقد مؤتمر في مدينة صيدا عام 1936 برئاسة عبد الحميد كرامي من أهم قراراته : ضم لبنان الى سورية كخطوة أولى نحو الوحدة العربية ومحاربة الإنتداب وقد ألقى الشاعر في هذا المؤتمر قصيدة قال فيها :
وهو صاحب القصيدة الأولى التي يكتبها شاعر لبناني تأيداً لثورة الشيخ القسّام في فلسطين ويقول فيها مخاطباً الطيار الذي قصف أرض فلسطين:
وله قصيدة يعارض فيها النشيد الوطني اللبناني ويلخّص فيها كل ما حصل ويحصل من منازعات وفتن مذهبية وطائفية فيقول:
وقد أنشد في مدينة طرابلس عام 1948 بمناسبة النكبة الكبرى، نكبة فلسطين:
إلى أن يقول:
وخلاصة القول, فالشاعر موسى الزين شرارة وقف شعره للتصدي للظلم في أي موقع كان صاحبه, وقد ارتبط نتاجه بالحياة السياسية والإجتماعية لجبل عامل. فقد لعب دورا مهماً في بث روح الوعي بين الناس الذين لايزالون حتى اليوم يحفظون كثيراً من شعره ويرددونه في شتى المناسبات الوطنية.
ونعتقد أن ذلك يعود لعاملين أساسيين: تلازم شعره مع مواقفه الجريئة التي دفع ثمنها سجناً وتشريداً, ونكهة الطرافة والسخرية اللاذعة والصدق الذي كان يطبع شعره. هذا, وللشاعر ثلاثة دواوين مخطوطة مصنفة حسب العناوين التالية: “شرارات”، “عصا موسى” و “هذي فلسطين”.
المصدر: “بنت جبيل الشاعرة”, الدكتور رامز حوراني