من المستفيد من استعدائنا؟

استعداء تيار السيد فضل الله لمصلحة من؟!
كتب محمد طراف
لا شيء يأتي من فراغ، ولا شيء ينتهي إليه، وهناك في مكان ما من يصرّ على الذهاب بعيداً في حربه على السيد فضل الله ومحاولة تشويه فكره، التي كانت خفية وبدأت تخرج إلى العلن، إلى ما لا أفق له ودون أية حسابات لما قد ينتج أو قد يترتب عليها من تداعيات سواء في المدى المنظور أو في الآجل من الزمن.

كنا نبهنا فيما سبق إلى استمرار الحملة على السيد فضل الله بعد وفاته، وأنّ الحرب أكثر شراسة لأنّها تواجه خطّاً وفكراً ونهجاً، فكنا نُقابَل بالاستهجان وأننا نغرّد خارج السرب لأن السيد مضى إلى ربه وانتهى كلّ ما كان دون رجعة. نعم هي كذلك لمن لا يتابع التفاصيل بشكل يومي ولا يواكب كلّ شاردة وواردة هنا وهناك، لأن الدبيب الخفي لهذه الحملة لم يكن يظهر للعيان وبشكل فاضح ووقح كما بات اليوم. وتوالت فصول هذه الحملة دون أي ردة فعل تقابلها، حتى توهّم هؤلاء أنّ طريقهم سالكة وسينجحون فيما يريدون.

فيما مضى كان السيد فضل الله يختصر الحالة كلها بشخصه، فهو مصدر هذا الفكر وملهم هذا الخط، ولا شيء يخرج من هنا وهناك إلا عنه أو دون إرشاداته، فلا تغريد خارج السرب ولا ردة فعل على أي شيء يوجّه إليه. أما اليوم وقد مضى إلى ربه، فقد نشأ تيار، وتكوّن خطٌّ يحمل أفكار السيد وانتشر أينما كان يصل صوت السيد وانتشرت كتبه، أي في العالم أجمع. وإذا كنا نعتقد أنّنا في مكان ما نعمل على نشر فكر السيد، فهناك من سبقنا بأشواط في هذا ودون أن نعرفه أو أنّه ينتظر منا أية مبادرة، فلا أحد يدّعي اختصار تمثيل السيد، لا مؤسسة ولا حوزة ولا جامعة أو مركز ثقافي، لا في لبنان ولا خارجه. نعم لم يعد المكان أو التأطير ليحدّ هذا الفكر، أو أن يؤثّر فيه شخص كأيّ تنظيم أو حزب أو تيار تقليدي… السيد بما يمثله من فكر وحالة وعي هو ملك للجميع، للإنسان أجمع في هذا العالم، كيف لا وهو من عاش للإنسان كلّ الإنسان.

قد يختلفون في كلّ شيء، ولكن يجمعهم هذا الفكر، ويعتبرون أنّه يحاكي عقولهم ويعبّرعن تطلّعاتهم، وإن كان هناك من تباين في التعبير عن هذا الفكر، فالحالة الفكرية الشعبية لا يحدّها نظام أو قاعدة ثابتة للتحرّك، ولا حتى توحيد حركتها. ومن هنا تصبح ردات الفعل على الإساءات للسيد وفكره متفلّتة من أية ضوابط، فكلٌّ قد يعبر بطريقته وبأسلوبه، الذي قد يخرج أحياناً عن هذا الفكر وهذا الخط. وهنا تكمن الخطورة وهذا ما شاهدناه ونشاهده من هنا وهناك، وبخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي المتفلّتة من أي أزِمّة وقيود، ولا ندري إن كان هناك من يريد لهذا الأمر أن يحصل، أي أنْ ينشأ داخل هذا الخط فريقٌ متفلتٌ من بعض الضوابط الأخلاقية في ردّة فعله، وينحدر في أسلوبه التخاطبي لمستوى المسيئين للسيّد، فنعيش حالات التسقيط المتبادل للعلماء من هنا وهناك. وهذه نقطة سلبية مرفوضة قد يعمل البعض على إلصاقها بهذا التيار ويعمّمها من باب شيطنة هذا الخط.

ممّا لا شكّ فيه أن هذا الجمهور بات يشعر بالغبن والمظلومية، سواء من خلال محاولة تهميش السيد واسمه في كلّ مناسبة أو من خلال تبنّي بعض الإساءات من هنا أو هناك، سواء بسوء نية أو دونها، وهذا ما بات يجمع الترسبات في النفوس، ويشكّل حالة من النفور العام من هذه التصرفات اللاّعقلانية وممّن يؤيدها أو يروّج لها، لا بل حتى ممن يسكت عنها. وهذا ما يظهر بين الحين والآخر في ردات الفعل المرفوضة لهؤلاء، والتي تتفاوت بين شخص وآخر وبين فئة وأخرى، كردات الفعل مؤخراً على محاولة تكريم بعض الشخصيات التي كان لها باع طويل في بهتان السيد والكذب والافتراء عليه. وهذه الخطوة ليست الأولى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. ومن باب الإنصاف فلا أحد يستطيع أن يمنع أحداً من فعل أي شيء يراه صائباً، ولا يستطيع أن يُملي عليه ماذا يفعل، ولكن المطلوب منا جميعاً أن ندرس تداعيات كلّ أمر ونتائجه التي يأتي بها، وبخاصة في هذا الجو العالمي المشحون والمجنون والمليء بالدماء أينما حدقنا. الأَولى جمع الكلمة وتوحيد الصفوف والابتعاد عما يفرق والعمل على الكف عن تهميش أي أحدٍ واستعدائه.

ما كان خفياً خرج للعلن للأسف، وهناك من سيعمل على هذا لشقّ الصف أكثر، وبخاصة أن أعداءنا كثيرون ويتحينون الفرص للفتنة، لم ينجحوا في زمن السيد لأنه كان الأعقل والأكثر حكمة، يتعالى على الجراح ويصبر على الأذى، ويحتسب ذلك عند الله. ولكن الأمر اختلف الآن، فلا أحد يستطيع أن يسيطر على فكر ينتشر في كلّ مكان ويعبّر كيفما شاء دون ضوابط. إن الكفّ عن استثارة هذا الفكر واستفزازه قد يساعد على توحيد الصفوف وإفشال أي مخطط قد يُرسم لشق الصف، {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 46]. إنْ كان هناك من يستخفّ أو لا يرى بعض هذه النتائج فعليه أن ينزل إلى الأرض أكثر ليرى النفوس المشحونة، وأن ينظر للمستقبل ليرى عواقب الانقسام. لا أن يأتي ليحذرك من تداعيات ردة فعل هنا أو هناك ويحملك المسؤولية لما قد يحدث.

ما نريد قوله، هو إن كان من لا يريد الإنصاف فلا يذهبن بالظلم بعيداً، وبخاصة ظُلم ما لا ناصر لهم إلا الله. أما محاولة تسقيط الفكر وطمسه فهي لم تنجح يوماً، وحتى مع الفكر الظلامي والجاهلي أو الملحد، فكيف مع الفكر النابض بالحياة الذي ينطلق من الله الذي يتكفل به ورسوله وأهل بيته عليهم السلام. وأَولى بهذا البعض أن يستثمر جهده و(علمه) ومكره في أشياء تنفع الدين، لا في سلوك طريق الأبالسة… وليخصّص بعض وقته في إعادة قراءة هذه الآية والتمعن فيها والنظر في التاريخ القريب والبعيد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد : 17].

والله من وراء القصد

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …