بكثير من الغبطة والسعادة استقبل بعض اللبنانيين والعرب خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي. هو تحدث بلغتهم وعقلهم وعواطفهم وطموحاتهم. فهذا «الشيطان الرجيم» الذي أسمه إيران يستحق هذه المخاطبة الرفيعة من «عاهر يحاضر بالعفة»، أمام محفل يفترض أن يكون الأرفع في العالم.
كان ثمة تصور بأن أميركا تصغر عندما يزور مسؤولوها اسرائيل. هذه المرة بدت أميركا صغيرة في عقر دارها. ولولا بعض الحياء الذي أظهره الرئيس باراك أوباما، ونفرٌ من أعضاء الكونغرس تغيّب عن الجلسة، لبدت الولايات المتحدة بعظمتها وجبروتها، واحدة من مقاطعات اسرائيل في العالم.
كان ينقص نتنياهو فقط «مسطرة» الاستاذ التي يحاكي فيها طلابه المشاغبين. والحق يقال إن الرجل بدا كبيراً في محفل الصغار، وهو أسعد جمهوره المقبل على انتخابات تبدو محسومة لمصلحته، تماماً مثلما أسعد خصوم إيران من العرب.. لكن العبرة في الخواتيم.
قد ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي في إفشال الاتفاق الاميركي ـ الغربي ـ الإيراني، وقد لا ينجح. صحيح أن لبعض العرب دوراً في هذا المجال، وها هو جون كيري أسرع الى المنطقة لاحتوائهم. لكن هؤلاء ليسوا من يُقلق الادارة الأميركية. فأوراق القوة التي تملكها إسرائيل في الولايات المتحدة، تفوق بكثير أوراق الضعف التي يملكها العرب. وعليه فإن الرهان في هذا الأمر يتوقف على مدى قدرة الادارة الأميركية الحالية على تجاوز أوراق القوة الاسرائيلية.
وفي كل الأحوال، نجحت إدارة أوباما في إنجاز الاتفاق النووي أم لم تنجح، فإن إيران كما يبدو ليست قلقة من النتائج أياً كانت. فالجمهورية الاسلامية باتت تملك أيضا من أوراق القوة ما يؤهلها للمواجهة مهما كان حجم الخسائر التي ستلحق بها. وهي بلسان نتنياهو باتت تسيطر على أربع عواصم عربية أساسية في لعبة الصراع القائم في المنطقة. إلا أن المعسكر الآخر الذي يملك الكثير من أوراق القوة في هذه المنطقة، يحسب ألف حساب للخسائر التي ستلحق به.
ثمة من يراهن إذاً على فشل الاتفاق. وثمة من يراهن أكثر على هزيمة إيران. فماذا لو نجح الاتفاق وربحت إيران؟
إن الصراعات عادة تنتهي بإحدى حصيلتين: إما بانتصار طرف وهزيمة الآخر، أو بتسوية يتقاسم فيها المتصارعون الغنائم. وفي كلتا الحالتين لن يكون للعرب نصيب في الانتصار ولا في التسوية، بل قد يتحمل بعضهم الكثير من الغرم، باعتبار أن صراع الجبابرة سيدور على أرضهم، أو سيلحقهم منه نصيب وافر. وعليه فإن من يفرح كثيراً هو من يفرح أخيراً.
في الخلاصة، كل المؤشرات تنحو باتجاه الاتفاق على البرنامج النووي الايراني، ليس لأن إيران فقط بحاجة لهذا الاتفاق، بل لأن ادارة اوباما الديموقراطية بالذات أكثر حاجة اليه قبل بدء الحملة الانتخابية الرئاسية، بعدما أخفقت هذه الادارة في ما وعدت به لجهة إنجاز التسوية الفلسطينية ـ الاسرائيلية. وتبدو الدول الغربية بدورها أكثر حاجة للانفتاح على إيران وما تملكه من خيرات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية. ولعله من حسن الفطن أن يستلحق العرب أنفسهم (ومنهم لبنان) والتفاهم مع جارهم الأقرب الذي يفتح ذراعيه لتحقيق استقرار، هو ايضا بأمسّ الحاجة اليه، بعد السنوات الطويلة العجاف.