— حسن دعموش
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}[(39) : سورة الأحزاب]
استطاع العلم اليوم عبر معدات متخصصة تصوير القلب من كل الجهات، بل واستطاع أن يغوص في أعماقه حتى أحصى كل قطرات الدماء الوافدة والخارجة و مراقبة تحركاته ونبضاته في الثانية وجزء الثانية. ولكني أثق بأن العلم اليوم يعجز على تصوير قلب إنسان واحد.
إنه قلب سماحة الشيخ ياسر عودى، فقد احتوى قلب هذا الإنسان حب الله تعالى والإخلاص له وحب الناس جميع الناس، حتى أصبح قلبه عرش لله.
نعم كل هذا وأكثر من هذا فقد ارتقى بأخلاقه وفكره الإصلاحي بحمل هموم الناس وهموم الأمة الإسلامية ليصبح خطيب ينزع من الخطابة الخرافة ويستخرج منها الضلالة ويرمي بها جانبا، بعدما أصبح الخطاب الديني المتخلف الأكثر انتشارا بين الشباب وأبعد الكثير عن الدين ووجههم نحو الإلحاد…
عندما وجد سماحة الشيخ هذه الظاهرة المتفشية فضلا عن انحراف البعض عن كتاب الله والعترة وأصالة الدين … استحضر آيات الله في كيانه وتساءل كيف سأجيب الله تبارك وتعالى يوم القيامة عندما يأتي النداء { وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [ (24: الصافات]
وتساءل كيف سأجيب النبي الأكرم (ص) إذا قال لي لماذا لم تظهر علمك عند ظهور البدع :” إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عَلِمَهُ …” ؟!
اأدرك سماحة الشيخ مسؤولية العمامة وخطورة الموقف ….. صعد سماحة الشيخ المنبر ليدلو بدلوه التجديدي محاولا الوصول إلى جوهر الدين الحقيقي في سبيل نهضة الأمة.
تصدى سماحة الشيخ للبدع والانحراف مهتديا بالقرآن الكريم في رد البدع والتجاوز كأسلوب نبي الله موسى (ع) : وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ ….} (الأعراف : 150) إلا أنه لم يرمي شرائع الله حتى الآن.. و كذلك اقتدى بأسلوب نبي الله ابراهيم كما ذكر القرآن الكريم : { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [67 : الانبياء]
مستفيدا من اسلوب الامام الصادق (ع) في رد الغلاة والتحذير منهم : “أخرج الكشي عن عبد اللّه بن مسكان عمّن حدثه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه _ عليه السلام _ قال : سمعته يقول : لعن اللّه المغيرة بن سعيد إنّه كان يكذب على أبي، فأذاقه اللّه حرّ الحديد. لعن اللّه من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ولعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه، الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.” لكن سماحة الشيخ إلى الآن لم يلعن أي مغالي معاصر !!!!!
اليوم نرى ونسمع التضليل الإعلامي والتصويب على بعض كلمات سماحته لابعاد الناس عن الوعي المنبري المطروح لاأنهم كما قال الدكتور شريعتي (رضوان الله عليه) :” إنهم يخشون من عقلك أن تفهم ولا يخشون جسدك مهما كنت قويا “.
ولكنهم لا يعلمون بأن هذا الوعي و هذه الصرخات موفقة من الله سبحانه!.
*الشيخ عودى وراء الكواليس*
{وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [56 : المائدة]
تتميز خطب الشيخ عودى بتنوع الموضوعات فقد اعتاد أهالي المنطقة ومحبيه على الاستماع لخطبة من وحي كتاب الله وخطبة أخرى تتناول كلام الأمير علي (عليه السلام ) من نهج البلاغة وتتضمن تسهيل الكلام للعامة وتبسيط المفردات فضلا عن استحضار ما جاء عن العترة (ع) في الخطبتين، وتتميز كذلك خطب سماحة الشيخ بالمرونة في تحريك الآيات وتطبيقها على الواقع المعاش كما تتميز بنشر فكر سماحة السيد المرجع محمد حسين فضل الله (قده) لما يحمل فكره من وعي، كما يقدم فكر باقي العلماء (رحمهم الله) أصحاب الوعي والبصيرة.
للشيخ عودى كذلك نشاط في قناة الإيمان الفضائية وإذاعة البشائر الإسلامية عدة برامج تلفزيونية.
تبقى الوقفة على تواضع الشيخ فقد عرفت الشيخ ياسر قبل فترة ليست بقصيرة ووجدت به خصائص لا مثيل لها ولم أجد كمثلها عند أحد قط … وجدت به البراءة والتواضع فأجده ماشيا من بيته إلى المسجد (رغم المسافة التي ليست بقليلة) بين الناس وإلى الناس، والملفت وصوله إلى المسجد قبل ساعة من الوقت لاستقبال الوافدين المؤمنين للصلاة ومجالستهم والاستماع إليهم ……
لقد جالست الشيخ ياسر ما لا يقل عن العشرين مرة وقد لا يعود ذلك لحبي المفرط في مزاحمة العلماء، بل لأنه في كل مرة كان يترك بصمة سحرية مشرقة في داخلي تدفعني متعطش للعلم وتزيدني علما …
نعم يستقبلني كما يستقبل كل الناس وكل فئات الأعمار الصغار والشباب والشيوخ في بيته، يستقبلنا وتعب اليوم الطويل المرهق قد بدى على وجهه، أجل يستقبلنا دون أن يراعي للراحة وقت ويستمع إلى كل كلامنا ويكون لنا بعد ذلك أبا ومرشدا وناصحا وصديقا.
*الجهاد والاجتهاد*
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[35 : المائدة]
لا يمكن أن ننسى جهاد سماحة الشيخ ومواكبته للمقاومة الإسلامية والقضية الفلسطينية خصوصا والأمة الإسلامية عموما كما كان رمزا يعطي المقاومة الدوافع المعنوية بحيث وصف شهداء المقاومة بشهداء كربلاء (أصحاب الحسين) كما لا يمكن أن ننسى على مر السنين بأنه كان لهم الحاضن والأب وتخرج من تحت منبره عشرات المجاهدين في “خيبر الجديدة ” على وصف السيد فضل الله (قده).
الجميل في محبي سماحة الشيخ والمستمعين له أنهم متحررين من قيود العبودية و لا يأجروا عقولهم لأحد ولهم في فكرهم آية من القرآن الكريم {…أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {…أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}..
صدرهم رحب في تقبل كل الآراء ومعالجة كل المواضيع بمنطق وموضوعية … ولابد كذلك الإشارة على عمل سماحة الشيخ الدائم في التأليف وكتابة الكتب العلمية التي يخاطب بها كل العقول وكل الطبقات الاجتماعية.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا بتوفيق هذه القامة العلمية الإصلاحية وأن يبارك لها الطريق في العودة إلى الأصالة كما نسأله أن يوفق الأمة في الخروج من التقوقع إلى الانفتاح من أجل الغد الأفضل .