وعلى افتراض ان جماعة “طلعت ريحتكم” التي تتظاهر احتجاجاً على إغراق لبنان في النفايات، تمكنت من اقتحام السرايا، فهل كانت لترفع حبة بندورة مهترئة من الشارع؟
قطعاً لا، لأن الدولة اللبنانية هي حبة البندورة المعفّنة والمهترئة نتيجة النفايات السياسية التي تمسك بخناقها، الى درجة إننا وصلنا الى مرحلة الانهيار الكامل الذي يحذر منه الجميع وهم أعجز من وقفه. اذاً دعونا نعترف بكثير من الصراحة بأن الدولة اللبنانية وحدها في الممر الإلزامي وتندفع أو بالأحرى تدفع دفعاً الى الخراب والانهيار!
ليست الزبالة التي ترتفع جبالاً في شوارع بيروت والمدن هي المشكلة التي نراوح فيها، المشكلة هي في نفايات السياسة التي من عجزها تستفرغ هذا المقدار من الزبالة، والتي لن يكون في وسع لبنان وشعبه اللطيم والبهيم والغشيم [تكراراً] ان يجد حلاً لها كما يحصل في الدول البدائية، لأن ما اعتبرناه دائماً نعمة دمّرناه بحماقاتنا فصار في هذا الزمن الرديء نقمة، وبكل صراحة أقول ان المقصود هو التعددية والتوافق!
نعم وبلا تردد وبعيداً من الرومانسيات التي طالما تغنّينا بها، أقول اننا جعلنا التعددية نقمة والتوافق لعنة، لأن التوافق في إطار التعدديات الطائفية والمذهبية المتناحرة في هذا الشرق الأحمق مستحيل، ولأن سيف التوافق المصلت على رقبة الديموقراطية ومبدأ الأكثرية والأقلية هو سيد التعطيل الى ان يصل الدستور اللبناني الى نزعه الأخير موضوعاً على صليب حقوق المسيحيين ولا قيامة!
لو كان لبنان من المسلمين لكان وجد حلاً ولم يكن ليصل اصلاً الى الممر الإلزامي للخراب، ولو كان من المسيحيين لكان الأمر كذلك، ولو كان من النور وضاربي الطبل ايضاً لم يكن ليغرق في زبالتين، زبالة المنازل وزبالة السياسة، وليس من زبّالين إلاّ “سوكلين” التي يقال انها تسيّل النفايات دولارات في جيوب بعض السياسيين المتذابحين على تحسين حصصهم من جبنة الزبالة!
لبنان بلد لا يمكن ان تقوم فيه ثورة شعب لأنه فيه شعوب وقبائل متناحرة، أو مجموعة من الشحّاذين يختلفون على عقب سيكارة، أو مجموعة من المعتوهين الذين يعملون على إحداث المزيد من الثقوب في السفينة التي تغرق بهم جميعاً.
ولبنان بلد لا يمكن ان يقع فيه انقلاب عسكري مثلاً، وفي مثل ما وصل اليه الحال من اهتراء وفساد كان من الضروري صدور بيان رقم واحد و”دعوس” والى بيت خالتكم، لكن فحيح الأفاعي وسموم الطوائف والمذاهب ستبقى سيدة الموقف البائس.
المصدر: النهار