وفاقي؟

عماد مرمل
AM 02:27 2014-03-28
ملّ العماد عون من صناعة الرؤساء او من المساهمة في صناعتهم. لم تعد هذه الفكرة تغريه او تعوّض عن «حقه الأصلي» في ان يكون، هو تحديدا، رئيس الجمهورية.
هذه المرة، لا مكان لجوائز الترضية في حسابات الجنرال المصمم على خوض معركة الرئاسة، حتى «الرمق السياسي» الأخير.
يتسلح الجنرال في هذه المعركة باستراتيجية سياسية مستمدة من قناعاته على مستوى الخيارات الكبرى، وبتكتيك سمته المرونة والبراغماتية على مستوى الترويج لترشيحه وحشد أكبر قدر ممكن من الدعم له، محليا وخارجيا.
بهذا المعنى، لا يتعاطى عون مع الاستحقاق الرئاسي بـ«نَفَس» الضابط السابق في سلاح المدفعية، بل بتأني من يسعى الى نزع الألغام وتفكيك العبوات الناسفة التي سيكون الكثير منها مزروعا على الطريق الى القصر.
ومن الواضح ان «إعادة التموضع» التي نفذها عون مؤخرا فوق رقعة الشطرنج الداخلية بامتداداتها الخارجية، إنما جاءت في سياق تأمين «البيئة الحاضنة» لترشيحه الذي يعتمد على سياسة «قضم» الأمتار، الواحد تلو الآخر، في الرحلة الى بعبدا.
ويمكن القول ان «الموجة» حملت عون من مكانه، لكن ليس معروفا بعد الى اين ستأخذه، والمدى الذي ستحمله اليه، في ظل تضارب اتجاهات الرياح التي تتحكم في العادة بوجهة الاستحقاق الرئاسي.
وإذا كان زخم هذه الموجة قد لامس حدود السعودية، في أعقاب المرونة المتبادلة، إلا انه ليس كافيا بعد لفتح أبواب الرياض امام الجنرال في ظل هواجس السعودية حيال خياراته الاستراتيجية وارتباطاته بمحور «حزب الله» ـ سوريا ـ وإيران، علما ان هناك من يقول ان عون قد يكون الأقدر على معالجة مسألة التدخل العسكري لـ«حزب الله» في سوريا، وملف سلاح المقاومة انطلاقا من التوفيق بين وظيفة هذا السلاح في مواجهة اسرائيل، ودور الدولة وحقوقها، مستفيدا في ذلك من الثقة القائمة بينه وبين الحزب.
ويبدو ان واشنطن تميل الى هذا الطرح، وإن يكن وفق قراءتها الخاصة له واجتهادها في فهمه، الامر الذي يفسر عدم ممانعتها في انتخاب عون، بل ان بعض المعلومات تفيد بان وزير الخارجية جون كيري والسفير دايفيد هيل يدعمان انتخابه ويسعيان الى تأمين الشروط المؤاتية لذلك، على قاعدة ان عون يستطيع ان يدفع في اتجاه إعادة النظر في وضعية سلاح «حزب الله»، مع الإشارة الى ان أحد المقربين من الرابية يحرص على التأكيد ان كلا من الجنرال وواشنطن يقرأ الآخر على طريقته، لكن القراءة المتطابقة لم تحصل بعد.
ويؤكد المتحمسون لوصول عون الى قصر بعبدا ان فلسفة انتخابه تتجاوز حدود القصر الجمهوري الى ما هو أبعد بكثير. برأيهم، الجنرال وحده قادر على انتاج الظروف الملائمة لسلام الأقوياء والشجعان في لبنان، بعد سنوات من التسويات المؤقتة.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان انتخاب عون لن يكون عاملا معزولا في السياسة، بل سيولّد قوة دفع من شأنها ان تعيد صوغ المشهد اللبناني وتصحيح توازناته، لافتين الانتباه الى ان «الرئيس» ميشال عون القوي في الشارع المسيحي، سيحرص على ان يكون الرئيس سعد الحريري القوي في الطائفة السنية شريكا له عبر رئاسة الحكومة، الى جانب الشريك الشيعي القوي المتمثل بالرئيس نبيه بري و«حزب الله»، والشريك الدرزي القوي المتمثل بالنائب وليد جنبلاط.
ويعتبر العاملون لرفع الحظوظ الرئاسية للجنرال، ان ميزته الاساسية تكمن في انه يستطيع ان يجمع دفعة واحدة بين القدرة على التعاون مع الحريري والتعايش مع الرئيس نبيه بري والتفاعل مع «حزب الله» والتعبير عن الوجدان المسيحي والتواصل مع المحيط العربي والمجتمع الدولي، وهذه مواصفات، يرى أنصار الجنرال، انها لا تتوافر مجتمعة إلا في شخصه.
ويشدد مؤيدو الجنرال على ان عون يمكن ان يكون «المرشح القوي الوفاقي» وهي المعادلة التي لا يستطيع أي من المرشحين الآخرين ان يصنعها، لأن هؤلاء يتوزعون بين من هم أقوياء فقط ومن هم توافقيون فقط، لكن لا أحد منهم يملك الصفتين.
ويشيرون الى ان انفتاح عون على الحريري الذي ساهم في إنتاج حكومة وبيان وزاري وثقة نيابية، قد يسهل نقاش خيار وصوله الى رئاسة الجمهورية، إلا انه لا يوجد بعد أي توجه نهائي لهذه الناحية، والقرار الحاسم في هذا المجال ليس للحريري أصلا بل للسعودية التي لا تبدو حتى هذه اللحظة جاهزة لتأييد انتخاب عون، خصوصا انه ليس بوارد تقديم تنازلات جوهرية من أجل الرئاسة، وبالتالي فهو لا يزال يتمسك بورقة التفاهم مع «حزب الله» وليس مستعدا لمقايضتها بموقع الرئاسة، وإن يكن منفتحا على توسيع رقعتها ومناقشة أي طرف في مضمونها.
ويرى داعمو عون ان ترشيح سمير جعجع الى الرئاسة هو مجرد تكتيك لتحسين شروط التفاوض على إسم الرئيس المقبل، لافتين الانتباه الى ان جعجع يرمي من وراء طرح اسمه في التداول الرئاسي، برغم معرفته بان حظوظه معدومة، الى تحقيق ثلاثة أهداف: حشر سعد الحريري حتى لا يذهب بعيدا في الخطوط المفتوحة مع الجنرال، وحرق اسم عون على قاعدة ان كلا من الترشيحين يضرب الآخر في نهاية المطاف، والإتيان برئيس من «14 آذار».
ويؤكد هؤلاء ان لديهم معطيات تفيد بأن واشنطن ترى في جعجع – الرئيس «مشروع حرب»، في حين ان الأولوية لديها في هذه المرحلة هي للحفاظ على الاستقرار في لبنان والحد من تداعيات الازمة السورية عليه، وبالتالي هي تعتقد انه ليس بمقدور رئيس حزب «القوات اللبنانية» تأمين متطلبات حماية هذا الاستقرار النسبي.

المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …