هل يعود التيار الأزرق الى صوابه

علاج المستقبل انتفاضة عقلاء

ابراهيم الأمين
كلام المجالس المغلقة صار واجباً إظهاره إلى العلن. ببساطة شديدة، قرّر الرئيس سعد الحريري، قبل بضعة أسابيع، أنه مضطر إلى الانخراط في برنامج عمل رسمته السعودية بضغط من الولايات المتحدة، ودفعت أوروبا إلى تظهيره على شكل خطوات. وهو يتعلق بموقف من التنظيمات الإسلامية التكفيرية الناشطة في سوريا ولبنان والمنطقة العربية. قال الحريري لغالبية مساعديه إنه لا مجال للمناورة، وإن علينا التزام ما سيصدر، تباعاً، عن السعودية وعن هذه العواصم.

قرار السعودية تصنيف فرعي «القاعدة»، «داعش» و«جبهة النصرة»، تنظيمين إرهابيين تحوّل عنواناً في برنامج الحريري. صار الأخير مضطراً إلى رفع الصوت حيث لا يمكن رفع السلاح. لكن أزمته، كما أزمة مناصريه، تجلّت في امتناع السعودية ودول خليجية أخرى عن ضم حزب الله إلى لائحة الإرهاب الخليجية، وهو ما عقّد الأمر في لبنان بعض الشيء. وصلت إلى الحريري رسائل احتجاج من طرابلس والبقاع وصيدا. لكنه لم يكن في وارد المساومة. فالمطلوب منه ليس التعايش مع هذا القرار، بل الذهاب نحو تفاهم مع حزب الله على ملف الحكومة في لبنان.
أمر آخر لا يحب الحريري تداوله مع كل المقربين منه. لكن غالبية كوادر التيار، وخصوصاً الناشطين في المناطق، يعرفونه. قال الحريري، صراحة، إنه بدل أن يستخدم التيارات المتطرفة في وجه حزب الله لدفعه إلى التعاون معه، صار هو يحتاج إلى من يعينه على نفوذ هذه المجموعات بين قواعده. تجربة أحمد الأسير في صيدا أضاءت له البطاقة الصفراء. ثم جاءت أحداث في الشمال والبقاع لتؤكد أن الخطر أكبر مما يعتقد، حتى وصل الأمر إلى حدود إعلان فرع المعلومات الخاضع لتأثيرات الحريري السياسية، أنه تصعب السيطرة على الوضع من دون مواجهة مع هؤلاء.
في الإجراءات المضادة، على طريقة الحريري، يمكن وضع برنامج ينطلق من خطوتين متلازمتين: الأولى رفع الصوت ضد التكفير، مع ترسيخ فكرة أن حزب الله هو وجه آخر لهذه القوى. والثانية، العمل على رفع الخطاب السياسي والطائفي، بما يجعل الجمهور السني عموماً غير بعيد عن قيادة المستقبل. علماً أنّ كلاً من مسؤولي التيار يسعى إلى ترجمة هذه التوصية بما يراه مناسباً. فمثلما وضع وزير الداخلية نهاد المشنوق بريتال في وجه عرسال، تربط قيادات طرابلس مصير المسلحين والمجموعات الإسلامية بمصير جبل محسن ككل. إلا أن الخطر الذي يتجنب المستقبل إبرازه إلى العلن، الآن، هو اضطراره إلى بدء حوارات واجتماعات هدفها تشكيل تيار علمائي «معتدل» يهدف إلى عزل أي مرجعية دينية متطرفة. وتبيّن أنّ من بين الأمور التي تندرج تحت هذا البند، إعادة التواصل مع مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، سعياً إلى استعادة نفوذ أقوى في دار الفتوى لاستخدامها في مواجهة التيارات المتشددة، ولكن تحت إمرة المستقبل. وهذه الإمرة تعني، عملياً، استخدام دار الفتوى بما يتناسب مع مصلحة التيار، الأمر الذي يصعب توقع حصوله سريعاً.
ماذا عن «الأدوات»؟
المشكلة في خطة المستقبل مزدوجة. فالتعبئة الكثيفة، المستمرة على خلفيات طائفية ومذهبية، باتت تسكن في عقول مناصري التيار قبل غيرهم. كذلك إن جيلاً من القيادات الانتهازية في هذا التيار بات يعيش على نغمة التوتير ورفع السقوف، إضافة إلى وجود جيل من الشباب انخرط في أعمال ميليشياوية في عدد من المناطق، وبات أسير لعبة وتحت سلطة قيادات لم يعد يهمها سوى بروز اسمها في المقدمة، ولو على شكل قتلى.
الجانب الآخر من المشكلة، أن الحريري يريد تنفيذ خطته من دون أن يظهر في أي لحظة في مظهر المراجع لحساباته أو المنتقد لسيرة أو طريق أو نمط تفكير. ما يعني أنه في حاجة إلى غبار كثيف لتغطية هذه الاستدارة. وفي عقل المستقبل، لا غبار أفضل من الفوضى الحالية في أكثر من مكان، والقائمة على قتل الناس في طرابلس، وجعل قرى مثل عرسال رهينة الإرهاب.
بيان كتلة نواب المستقبل، أمس، يؤكد ما سبق حول تعنّت قيادات هذا الفريق وجنونها. فأي تغيير يمكن أن ننتظر عندما يخرج أشرف ريفي محمِّلاً حزب الله مشكلة عرسال، أو يعتبر جنون زعرانه في طرابلس عملاً مؤامراتياً نظمته المخابرات السورية؟
عندما يظل تيار المستقبل في حالة إنكار إزاء الإجرام التكفيري الناشط في أحضانه، فهو ينتظر أن يخرج من داخله إرهابيون يعلم الله وحده أين يفجّرون غضبهم وجنونهم. وعندما تظلّل الغشاوة عيون التيار، فهو لن يرى الحريق الذي يلتهم مزرعته وسيصل إلى بيته. وعندما يرى في الصراخ والمزايدة اللفظية علاجاً لفشل متواصل ومتسارع في كل شيء، فهو كمن يحفر لنفسه أعمق في الأرض.
هذا المنطق يعني أمراً واحداً: تيار المستقبل في حاجة إلى انتفاضة حقيقية. انتفاضة تتجاوز خطاباً عالياً يلي تسوية في الظلام. يحتاج إلى انتفاضة لتغيير وجوه وأسماء لم تنتج لهذه البلاد سوى الهزائم والموت.

المصدر: الأخبار

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …