نهاية عصر البلطجة السعودية

حسن غندور

 اليمن بعد القرار الاممي ليس كما قبله.

العدوان السعودي على اليمن دخل اسبوعه الثالث، اكثر من 1200 غارة جوية بالاضافة الى القصف البري والبحري، آلاف القتلى والجرحى وعشرات آلاف المشردين، تدمير ممنهج طال كل شيء في هذا البلد الفقير والضئيل الإمكانات.

بدأت الازمة السياسية بعد تقاعس الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي عن تطبيق مخرجات الحوار الوطني الذي عقد في أوائل الـ2013، وكان قرار الحكومة بزيادة اسعار الوقود هي الشعرة التي قصمت ضهر البعير، اشتعلت الأزمة، وأُخذ القرار بالإطاحة بهادي، وكانت البداية بتظاهرات صنعاء المليونية التي قابلها هادي بتظاهرات مقابلة على طريقة 8 و14 اللبنانية، تدخلت الامم المتحدة وأرسلت جمال بن عمر الذي فشل في تقريب وجهات النظر، تشكلت اللجان الشعبية من نسيج مركب من الحوثيين (انصار الله) وحشود بعض القبائل التي ما زالت توالي الرئيس السابق علي عبدالله الصالح، وقامت بتحرير صنعاء من جماعة الهادي ووضعه قيد الاقامة الجبرية والشروع بـ”الاعلان الدستوري” الذي ضم الحوثيين وبعض قيادات الجيش وبعض القبائل، وبدأت عملية المواجهة مع جماعة الهادي وتنظيم القاعدة في معركة السيطرة على الجغرافيا.

شعرت المملكة السعودية بخسارة الورقة اليمنية وخروج الحكم عن طاعتها، في وقت، كانت الجمهورية الايرانية تحقق إنجازاً مفصلياً وتاريخياً في لوزان، والريح العراقية والسورية تسير عكس رغبة سفينة الصحراء السعودية، وكان لموت الملك عبدالله وتسلم الملك سلمان مقاليد الحكم وإجراء تغييرات جذرية فيه، مؤشراً على تغيّر نمطي في إدارة الحكم والملفات الاقليمية، فانتقل سلمان من حروب الوكالة الى الحرب المباشرة، ووجد في اليمن الحلقة الأضعف التي من الممكن أن تقلب الموازين وتعيد ضبط الايقاع، فكان الضغط السعودي على بعض الدول العربية، تارةً بالترغيب (الاموال) وتارةً بالترهيب (الأمن)، مقدمةً لشرعنة العدوان على اليمن تحت ذريعة عودة الشرعية والدفاع عن الامن القومي، وكان لمحمد بن سلمان الفرصة الذهبية ليخلف أمنياً بندر بن سلطان ويحجز مقعداً متقدماً في الحكم بعد وفاة والده المنازع.

بعد هروب الهادي الى عدن ثم الى الرياض، شنت السعودية عدواناً غير مسبوق على اليمن، استمهل الحوثيون الرد بهدف سحب الذرائع السعودية ووضعها في موضع المعتدي، وكانت أولوية اللجان الشعبية هي القضاء على الإرهاب والقاعدة وبقايا الرئيس هادي الموالين للسعودية كخيار أول داخلياً وفسح المجال للدبلومسية الدولية ثانياً، وإن لم تنجح فيكون الخيار الثالث بوقف العدوان ومواجهته بالآليات المناسبة حيث أنّ الحوثيين، ولغاية الآن، لم يخرجوا ما بجعبتهم من قدرات ووسائل أكدوا مراراً على امتلاكها واستعمالها حينما يحين الوقت.

مجلس الأمن أقرّ مشروعاً يلزم الحوثيين تحت البند السابع بالانسحاب من المدن وتسليم السلاح ووضع كل من القادة الحوثيين وعلي عبدالله الصالح ونجله على لائحة الارهاب والملاحقة المالية ومنع توريد السلاح لهم. الحوثيون رفضوا القرار الأممي واعتبر عضو المجلس السياسي في انصار الله محمد البخيتي أنّ الهادي خائن ويجب إعدامه وفق القوانين اليمنية وليس شرعيًا ولو دعمه مجلس الأمن.

ومن ناحية أخرى، رفضت الجمهورية الايرانية القرار الأممي رفضاً قاطعاً واعتبرت أن أي حل يمني يجب أن ينطلق من حيثيات المبادرة الايرانية لحل الازمة، في حين عزت روسيا ايضاً عدم تصويتها على القرار لسبب أن الاممية الدولية لم تأخذ بعين الإعتبار المقترحات الروسية للحل. واعتبر مندوبها في الامم المتحدة “تشوركن” أنّ أي قرار لحظر السلاح في اليمن يجب أن يشمل جميع الفصائل وليس الحوثيين وحدهم.

في ظل هذا الإنقسام بين روسيا وإيران وانصار الله من جهة، والسعودية والامريكيين من جهة أخرى، جرى تسريب بعض المعلومات عن مفاوضات تجري بين أنصار الله ممثلين بمحافظ صعدة السابق وممثلين عن الحزب الناصري والحزب الاشتراكي وممثلين عن الطائفة الاسماعيلية وبين السعوديين، في منزل دبلوماسيٍّ يمني رفيع لم يشأ الكشف عن اسمه لحل الازمة، افضت الى تعيين السيد خالد بحاح من حضرموت نائباً لرئيس الجمهورية منذ يومين، وهو شخصية مقبولة وقد كان رئيساً للحكومة التوافقية وكان مرشحاً سابقاً لأنصار الله، لرئاسة المجلس الرئاسي. وقد جاء تعيينه بمثابة خطوة تراجعية لهادي، تمهد لخروجه من المشهد السياسي وتشكل بداية لحل بين انصار الله والسعوديين، تنزل السعودي عن الشجرة وتحقق لليمنيين هدف التخلص من هادي.

إلّا أنّ شروط المملكة بتراجع الحوثيين أولًا والإنسحاب من صنعاء ومن كافة المدن وتسليم السلاح مقابل امتيازات سياسية في الحكم قبل وقف العدوان، شكلت عقبة كبرى أمام إتمام الإتفاق، وأعادت التفاوض الى المربع الأول، ولذلك جاء قرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع ليلقي بمزيدٍ من الضغط على الحوثيين من أجل إخضاعهم لإرادة السعودية في التفاوض.

الحوثيون، على ما يبدو، لاحظوا أنّ اتفاقاً على القياس السعودي سيعيد المشهد السياسي الى ما قبل مرحلة عبد ربه هادي، مما يعني هزيمة لليمن واعادته للارتهان السعودي، مع فارق وحيد هو الدمار الهائل والخسائر البشرية الفادحة التي تكبدها الشعب اليمني، وهذا يشكل من جهة ثانية انتصاراً للهيمنة السعودية في المنطقة ومزيداً من الغطرسة والإنعماس في المشاريع التخريبية، التي قادتها وتقودها المملكة دون رادع أو وجل.

لذلك، فإنّ قرار الأممية الدولية جاء تحت الفصل السابع بمثابة إعلان حرب وتشريع للعدوان السعودي، وهذا ما لم ولن تقبل به اليمن ولا المحور الواقف خلفها والمساند لها. لذلك، فإنّ مرحلة بعد القرار لن تكون كما قبله والاسبوع القادم لن يشبه ما سبقه فيما خص العدوان وعدم الرد عليه، ولعل تصريحات قادة انصار الله حول مفاجآت ستغير مسار المواجهة، معطوفة على كلام الأمين العام لحزب الله حول نتائج هذه المواجهة وما سيقوله في خطابه التضامني يوم الجمعة، والسقف العالي للخطاب الايراني، كلها تشير إلى إصرار هذا المحور على إلحاق الهزيمة بالمشروع العدواني السعودي، وقطع يد البلطجة السعودية على دول المنطقة ولو أدى ذلك الى مواجهة كبرى على أرض اليمن تعيد مملكة الرمال الى ما قبل العام 1932.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …