فيما يلي سطور نقلتها عن صفحة صديق، تسرد حادثة واقعية جمعته مع الموسيقار الراحل ملحم بركات في ظروف غير طبيعية…لم أكن أعرف ملحم بركات معرفة شخصية، لكن إلى جانب عظمته الفنية، وجنونه الدفّاق، كنت أرى فيه حالة شعبية، غير متكلفة، تقتحم القلب قبل الأذن…
ما روى الصديق علي لمع, عن ملحم بركات, على صفحته ( بتصرّف طفيف)
لقد ترددت كثيراً قبل أن اكتب عنك، لكن ربما الآن قد اآن الأوان كي أُنصُفك … !!!
شباط ١٩٨٤. والعواصف الممزوجة بالريح تمرح خارجاً، وكما جرت العادة، في كل مرة أستجيب فيها لنداء الواجب، أرتدي قبلات أبي ودعاءه. وأذهب منطَلِقاً غيرَ آبِهِ !!! فالله وأبي معي !!
يومها تلعثم أبي بالدعاء … لحظة اعتراه الخوف كما اعتراني.
انطلقت برحلتي أنا ورفاقي عند بزوغ الفجرِ, إلى حيث يجب أن نكون عند نقطة (نهر الأوّلي .. !!! ) إلى أن حصل الذي حصل من دون تفصيل !!! .. منا من قضی، ومِنّا من أخّر الله أجله.
سلكت أنا وصديقي طريقاً جبلية، عبرنا خلالها مجموعة من التلال والأودية، إلی أن وصلنا إلى شرق صيدا لحظة قاربت الشمس علی الإيذان بيوم جديد، بينما نحن نحمل أرواحنا على أكتافنا، التي تخضبت بمختلف أنواع الأشواك …
عويل كلب أنقذ حياتنا, وبالصدفة مرة ثانية, من كمين إسرائيلي محكم.
علی مسافة تقارب المئة متر، لمَع مصباح سيارة، بدا وكأن الله أرسلها إلى طريقنا، لم يكن هناك خيار أمامنا سوى القفز إلى منتصف الطريق.
توقفت السيارة، بينما السائق يتأمّلنا بعينين مشدوهتين بما ترى… فتحنا باب السيارة، واستقلينا المقعد الخلفي من دون استئذانه.
بجانب السائق، كان يجلس رجل وسيم، أخذ يتفحصنا، وبدا أنه اطمأن إلى هويتنا, وإلى ما نقوم به من دون أن يوجه لنا أي سؤال…
بصوت هادئ، خاطب الوسيم السائق: جورج أكمل طريقك ولا تنظر في المرآة، ولا زلت أذكر كيف كان جسمي يرتجف من البرد والوجع ..
سألنا عن وجهة سيرنا، فأجبنا: صيدا القديمة… وبعدها يمكن أن نتدبر أمورنا…
قال: يا جورج لا أريد أن أری أيّة حواجز للاحتلال، اسلك الطرق الفرعية… وقبل أن نلج المكان المقصود بقليل، سألني “ألا تعرف من أنا؟ هززت برأسي إلى الأعلى، في جواب أنيق يشتمل النفي.
قال: أنا ملحم بركات .
رددت: تشرفنا. ولكن أنا لا أعرف من تكون !!!
فقال: أنا الموسيقار ملحم بركات، وانتهيت للتو من حفلة غنائية في جزين، لحظة فاضت من عينيه حنيّة غير موصوفة…
كانت ثقافتي الفنية يومها تعادل الصفر… أسريّت له بذلك معتذراً عن جهلي بشخصه، قبل أمتار على انتهاء رحلتنا.
فتحنا باب السيارة، حين ألقى في أذني جملة لا زالت راسخة حتى تاريخه, وكأنه يرددها اليوم : اذهب في أمان الرب. ليتني معكم”.
أقفلت الباب مودّعاً، عندما سألني عن اسمي، فقلت: علي…
ضحكت عيناه ضحكة دافئة، ورمی نحوي مبلغ خمسمئة ليرة، لأشتري ثياباً جديدة بدل الممزقة, وانطلق …
إنني علی يقين أن الله أرسله هو ولم يرسل غيره, لكي يأتي هذا اليوم وأشكره، وأسرّ ما كتمت مطولاً..
ملحم بركات أنت الأجمل
ملحم بركات : بَدنا مليون سنة تنعرف إنتَ مين …
ابراهيم درويش – اسيا نيوز