مفاوضات بشأن رون آراد

بعد مرور 30 عاماً على اختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد بعد اسقاط طائرته في الجنوب وأسره من قبل مقاتلي حركة أمل عام 1986، لم يغيّر واقع وفاته تصميم إسرائيل على معرفة مكان دفنه واسترداد جثمانه.
عملية الاسقاط التي تمت نجا منها في حينها الطيار يشاي أفيرام، بعد تدخل فرق الإنقاذ فيما فُقد أثر آراد، الذي ترى الاستخبارات الإسرائيلية أنه سُلم إلى حزب الله في أواخر الثمانينات قبل نقله إلى القوات الإيرانية في منتصف التسعينيات. وكان يعاني من المرض، ورفض العلاج الطبي، ما تسبب بوفاته. ويعتقد المحققون الإسرائيليون أن آراد مات في وقت ما بين عامي 1993 حين تم التقاط آخر علامة لبقائه على قيد الحياة و1997.
فقد كشفت إسرائيل عن معلومات تفيد باتصالات جرت في العام 2015 بينها وبين الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، بوساطة أجهزة استخبارات غربية في شأن مكان جثة آراد. فقد قام الحزب، اعتماداً على معلومات موثوقة، بالبحث عنه ليبلغ بعدها جهاز الاستخبارات الغربي بأنه فشل في الوصول إلى موقع دفن الطيار “لأن المنطقة التي دُفن فيها، تحركت وتغيرت منذ موته”.
وقد شارك الحرس الثوري، وفق المعلومات، في هذه الاتصالات لسببين، الأول مسؤولية إيران عن خطفه، والثاني محاولة إنهاء ملف اختفاء أربعة ديبلوماسيين إيرانيين اختفوا في لبنان عام 1982، إذ اتهمت إيران إسرائيل بالمسؤولية عن عملية خطفهم. وقد سلمت إسرائيل الحزب عام 2004، عبر وساطة ألمانية معلومات جديدة جمعتها عن اختطاف الديبلوماسيين الإيرانيين وتعذيبهم على أيدي عناصر من القوات اللبنانية. إلا أن هذه المعلومات لم تكن كافية بالنسبة إلى المسؤولين الإيرانيين الذين طالبوا بتفاصيل أكثر دقة.
وقام الحزب بمحاولات “حثيثة” خلال العام 2005 ومطلع العام 2006، لحل أحجية مكان دفن آراد، إذ عمل مع الاستخبارات اللبنانية للتحقيق في القضية، وتزويد إسرائيل بتقرير مفصل. وتخلل ذلك سفر مندوبين من الحزب إلى إيران ووصول مندوبين من إيران إلى لبنان لفحص الملف. وأجرى عمليات حفر في أكثر من موقع في لبنان، ونُقلت إلى إسرائيل رفات وبقايا عظام لفحصها، إلا أن الفحوصات المخبرية بيّنت أنها لا تعود لآراد.
يكشف محضر تحقيق فرع الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي للجنة السرية للتحقيق في مصير آراد، برئاسة أهارون زئيفي فركش، أن إسرائيل بذلت خلال الثلاثة عقود الماضية كثيراً من الجهود لمعرفة مصيره. ما دفعها إلى خطف عبدالكريم عبيد في عام 1989، ومصطفى الديراني في عام 1994. وخلال استجواب الديراني من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي، كشف أن آراد كان بعهدته حين كان مسؤول الأمن في حركة أمل وقد سلّمه إلى حزب الله أثناء انشقاقه عن أمل. وفي أوائل عام 1988، كان آراد في قرية النبي شيت، حيث كان يخضع لحراسة من عشيرة شكر ليتصل بعدها الديراني بأحد قادة الحرس الثوري ويتم نقله إلى إيران، حيث تم احتجازه في سرّية تامة. ونقل بعدها إلى لبنان في أعقاب أسر الديراني عام 1994.
ويذكر المحضر أنه تم دفن آراد في سهل البقاع. ولا يعرف كل من إيران وحزب الله الموقع الدقيق لدفنه، وكانا غير قادرين على تحديد مكان قبره.
ووفق المحضر فإن إسرائيل عرضت على إيران في التسعينيات مبلغ عشرة مليارات دولار كحزمة مساعدات والدخول بتسوية مع الولايات المتحدة للحصول على 5 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة بعد الثورة الإيرانية مقابل معلومات عن آراد. ويكشف المحضر أيضاً أنه عندما كانت إيران تفاوض للحصول على قروض طويلة الأجل مع دول أوروبا الغربية لمنع الإنهيار الإقتصادي، راقبت الاستخبارات الإسرائيلية عن كثب المفاوضات واكتشفت إستراتيجية الخداع التي يستخدمها المفاوضون الإيرانيون للحصول على أفضل الأسعار. وهددت إسرائيل بفضح هذه المعلومات إذا لم يُطلق سراح آراد، وعندما رفضت إيران، نفذت إسرائيل تهديدها. ما أسفر عن توقف المفاوضات.
الاعتراف الرسمي الأول بوفاة آراد كان في عام 2006 حين أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن الحزب يعتقد أنه ميت. وفي مؤتمر صحافي قي 2 تموز عام 2008، قال نصرالله، إن الحزب أجرى تحقيقاً مفصلاً في شأن مصير الطيار الإسرائيلي المفقود امتد لثلاث سنوات، وشمل مقابلات متعمقة مع شخصيات بارزة في لبنان. ورفض نصرالله الإشارة إلى نتائج التحقيق، لكنه أوضح أن تقريراً مكتوباً سُلم إلى ممثل الأمم المتحدة للوساطة بين الحزب والإسرائيليين.

المدن

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …