ماذا لو نام الحزب ليومين

إلى اللبنانيين وتحديداً الى المسيحيين:

إيّاكم والإمعان في التذاكي.

ماذا لو نام حزب الله ليومين؟

بروفسور نسيم الخوري

مناسبة المقال: صراع لا يمكن رصده وإزدواجياته وتداعياته بين المرشحين وأحزاب الموارنة الى رئاسة الجمهورية. تختلط فيه التجارة بالبيع والشراء والإرتجال وعدم الوعي والمسؤولية بالمباديء والكرامات، وتشخص الأبصار كلّها الليلة الى ما سينطقه السيد حسن نصرالله في المجال. الفراغ في السلطة قاتل؟ صحيح، لكن “الحروب” السياسية لا تتوقف في لبنان حول كرسي بعبدا وهنا أسئلة: ماذا يفعل رئيس الجمهورية بالضبط؟ لماذا يدور الكلام كلّه في مكان خاص برئيس الجمهورية بينما تدور المعارك كلّها حول تراكم السلطة وتعثرها وفسادها وضمورها في مكانٍ آخر هو مجلس الوزراء؟ هل يدرك الجميع أنّ داعش أزاحت النصرة وهي تطلّ على رأس بعلبك والفاكهة وغيرها من القرى المرشوشة هناك؟ ماذا يحصل لو شاء حزب الله الإنسحاب من تلك المناطق؟

أخرج من المناسبة للقول بأنّ الأصوات أو الإصابع أو المؤتمرات أو الخطب والدعوات التي ترفع لحمايتي في هذا الشرق من المسلمين، لا تفعل سوى تسهيل ذبح المسيحيين وتهجيرمن يبقى منهم نحو أرصفة الغرب. تلك أنشطة خطيرة تدقّ الأسافين بين المذاهب والأديان،وتستعجل تقاتل الأقوام والشعوب والأوطان مسيحيين كانوا أم مسلمين. ماذا بقي من المسيحية في الغرب، وهل الغرب هو عالم مسيحي يكرّم مباديء المسيح ومباديء الأديان وقيمها؟

تحت عنوان: “للعبرة فقط”، كتبت ندى جابر الإعلامية المقيمة في الخليج العربي على صفحتها الخاصّة في ال “فيس بوك” ما يلي: 

“فارس الخوري، يوم أبلغه الجنرال غورو أنّ فرنسا قد جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق، ما كان منه إلاّ أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة . فصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدّعي أنّها احتلّت سوريا لتحمينا نحن المسيحيين من المسلمين، فإنني أعلن من هذا المنبر بأنْ “لا إله إلاّ الله”. وأقبل عليه المصلّون في الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في أحياء دمشق القديمة في مشهدٍ ذكرته دمشق كثيراً، وخرج أهالي دمشق من المسيحيين في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون: “لا إله إلاّ الله” . لم يكونوا مسلمين ولا مسيحيين، ولكن كلّ أبناء الوطن حينها كانوا . . . . سوريين” .

وقد علّقت عليها على الصفحة عينها، فكتبت: “هذا الكلام التاريخي، لجدّنا فارس الخوري صحيح يا سيّدة ندى، مع أنّ ملازمه في شيخوخته محمد الفرحاني الذي كان يدوّن له الكثير من كلامه ومذكّراته، نقل عنه هذا الذي تنشرينه في كتابه: “فارس الخوري وأيّام لا تنسى”، وهو ربّما أحسن كثيراً في إظهار إسلاميّة الخوري التي هي قطعاً من غرف مناهضته التاريخية للغرب القاسي غير المؤمن … ووقوفه الصريح والوطني الواضح إلى جانب فلسطين أوّلاً وزوجته فلسطينية كما الى جانب العرب والمسلمين . ولقد جاء في كتابي الأخير بعنوان: “تفجير الحبر”، الصادر عن دار المنهل، (2006)، نصّاً أعدت نشره وهو تكرار لقول فارس الخوري، حيث خاطبت “الزميلة” الجامعية كونداليزا رايس وزيرة خارجية أميركا يومذاك، بعدما أعلنت بدايات نضج ملامح المشروع الأمريكي للشرق الأوسط على موائد الدماء، أنني كحفيدٍ لفارس الخوري، أعلن إسلامي إن كانت أميركا وغيرها من الدول تأتي لتفصل بيني وبين أخي المسلم. اثنان يا سيّدتي يستحيل قيادتهما للشرق الأوسط المستحيل بدوره: الغرب والمسلمون، وخصوصاً أولئك الذين خرجوا نهائياً من ذواتهم وقدراتهم، وهم قد ينحنون أمام القناصل والسفراء والمبعوثين، ولا همّ لهم سوى مصالحهم الآنيّة وحرق أصابعهم وعروشهم إنصياعاً للغرب لا لشعوبهم.ليس المهم دين المسؤول أو مذهبه بل عقله وعدالته ونظافته. 

أوّلاً: من هو فارس الخوري هذا المسيحي الذي لم تَمْحُ الأيّام اسمه من ذاكرة العرب والمسلمين، ويتنافس على تسخير إسمه فصائل المعارضة التي لا تنتهي في سوريا، مع أنّه فارق الدنيا في ال1963؟

فارس الخوري الذي يتردّد اسمه كثيراً في سورية في هذه الأيام المنقوعة بالدماء والكوارث، من قرية الكفير في نائي الجنوب اللبناني، ولد في العام 1873 وولدت بعده بسبعة عقود في القرية المتواضعة عينها. ارتقى المناصب الأساسية بمجملها التي يمكن أن يحلم بها أيّ إنسانٍ طامح في بلده ومحيطه كما في تأسيس المنتديات والمحافل الدولية. وللعبرة وتحديداً للمسلمين وغير المسلمين في هذا الشرق العربي الذي يغلي بدماء أبنائهم وخوفهم وهجرتهم، لنا قراءة الكتاب المذكور لمحمّد الفرحاني وفيه فصل من 30 صفحة عن فارس الخوري والإسلام، دعا فيها الخوري إلى يقظة طاقة القوّة المتجددة في الإسلام . قيل عن فارس الخوري إنّه مؤمن بالإسلام مع تشديده على مسيحيته، وله باع نادر ومعروف بتطبيق الشرع الدولي في الإسلام. 

وأهمّ ما وجدته في هذا الفارس شخصيّاً بعدما سكنتني المشقّة، في باريس، وأنا أبحث عن هذا الرجل في وثائق الخارجية الفرنسية والأرشيف السياسي المسموح بتداوله للباحثين، سطرين فقط باللغة الفرنسية:

 Fares bey koury, avocat,chérifien,islamophile,….etc… deteste la France, home rénal,écouté, retors,éloquent,très dangeureux ومعناها بالعربيّة:”فارس بك الخوري، محام، زعيم ، محب للمسلمين . . إلخ . يحتقر فرنسا، يعشق الماضي، مسموع، داهية، فصيح، خطر جدّاً” . لا أتصوّر أن زعماءنا ومسؤولينا لهم أكثر من هذه الأسطر في ذاكرة الدول العظمى المستعمرة المكتوبة، ومع أنّ “ويكيليكس” تتكفّل، اليوم، بنشر محاضر الاجتماعات السياسية التي تحصل بين مرجعياتنا ومبعوثي الغرب، فإنّ الخطر في الأحفاد إذ يلجأون، لربّما، إلى نبش عصارة تواريخ السياسيين ونشرها في تقارير الدول العظمى علناً. وعليه، نسحب بصرنا الساذج على الأمكنة العالية من تراثنا في عالم يستغرق في المنحدرات ونسأل: 

ما الهدف من توثيق هذا الكلام؟

الجواب: للتمييز الجذري والموضوعي والنهائي بين عالمين: عالم “مسيحيي” الغرب الذين لا يتمثّلون بمسيحيي الشرق، بل يتمثّل معظم هؤلاء بهم، فيعرضون عن أنفسهم وعن جوهر معتقداتهم وأوطانهم ولن يكونوا غربيين أبداً.تقتلهم الكراسي. لماذا؟ لأن مسيحيي الغرب سحبوا حجر الزاوية من بنيان المسيحية التي تقول إنّ “مملكتي ليست من هذا العالم”، كما خرجوا من “أعطنا خبزنا كفاف يومنا” ومن “لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض” إلى أمكنة أخرى؛ هذا إن كانوا قد دخلوا في معانيها بالمعنى العقائدي والإيماني أصلاً . ما عدنا نسمع كلاماً للمؤمنين الغربيين من هذا النوع بمشتقّاته ونصوصه الكثيرة في معظم كنائس الغرب منذ أن سحبها نابليون بونابرت خلف صولجانه، وجاء روبسبيير يستبدل بها كلّها مصطلحاً واحداً هو “الأخوة” فوق بيادق الثورة الفرنسية. قد نقرأ، اليوم، إعلانات فوق لوحات الشوارع والساحات في مدن أوروبا، ونسمع عن جوائز ينالها القلّة ممّن يرتادون الكنائس لا للصلاة بل للسياحة والتقاط الصور التذكارية كما هو رائج. 

بكلمتين: لقد خرج الغرب بسلوكه اليومي والسياسي التاريخي وفي علاقاته الدوليّة من القداسة، وسلخ المقدّس عن الأمكنة كلّها اقتداءً بالمتاحف، وكأنّه اعتمد مقولة لم يعرف الخروج منها بعد: “كن مثلي كي تكون أخي أو أضطهدك وقد أقتلك”. يمتدّ هذا المناخ منذ الحروب الصليبية التي مابرحت تزلّ بها الألسنة الرسميّة الغربيّة في اللحظات الحرجة، وصولاً إلى عصر العولمة المعاصر الذي ينخرط في الاقتصاد، حيث ينتفخ البطن الإمبراطوري المتحكّم بالدول العظمى التي لا تطمح إلاّ إلى بلع العالم بخيراته وكنوزه وساكنيه. وقد يكون من المفضّل هنا استعمال كلمة قاطنيه بدلاً من ساكنيه، لأنّ الإنسان ما عاد يعرف السكينة والطمأنينة على وجه عالمنا القلق والمسكون بخيرات الأرض وكنوز السماء .

أمّا العالم الثاني الموضوع تحت عنوان “الصحوة أو اليقظة الإسلاميّة” أو الصحوة الجماهيرية، فهو عالم واسع من المسلمين وغير المسلمين، وتحديداً المسيحيين المتجذّرين في الشرق الذين يخلقون للغرب، في محاولاته لإخراجهم من الشرق، هامشاً خبيثاً يستفرد فيه المسلمين وبقايا المسيحيين في الصراعات القادمة، ليس عن طريق “ثورات الربيع” وحسب، بل عن طرائق الفوضى والحروب المفتوحة في كلّ الفصول والأزمنة، التي ستبقي، على النصّ، وعنه يسهّل كثير من المسلمين ومن ورائهم الغرب إزاحة العثرات والنتؤآت تحقيقاً لنقاء يهودية “إسرائيل”. لكن لنتذكّر أنّه عالم قائم منسجم بترداد الفاتحة وفيها: “اهدنا الصراط المستقيم … إيّاك نعبد وإيّاك نستعين”، وبها تبطل كنوز الأرض وتفضح نوايا الدول. لم يتغيّر ولن يتغيّر المفهوم ومفهوم المفهوم للمقدّس وفقاً لإرادة الغرب، لأنه عالم اكتسب الصفة التاريخية الدينية كمادة أبدية للبقاء، وهو في تصالح أبدي متوازن بين الدنيا والدين . فالانبهار والصلوات الخمس والأحايث والصيام والزكاة ، فروض أبدية صافية تحمل البساطة وتهيب المسلمين منذ الطفولة، ليستمرّ الإسلام متجذّراً ومتضاعفاً بالسلام والاعتراف بالآخر، والمرور أمام الأمكنة المقدّسة والرؤوس منحنية خشية الخالق. هنا اعتقاد يتجاوز الانتماء، وهناك انتماء طلّق الاعتقاد أو وضعه فوق رفوف المعابد. وفي المحصّلة، تلك معضلة المجرّبين، إذ يستحيل على الإمبراطوريات غربيّة أوشرقية أن تقشّر البشر من الإيمان والاعتقاد . حتّى الصين الواقعة في الجهل بالخالق والخطيئة والكتابات المقدّسة، فإنّ وضعها لم يمنعها من تملّك خمسة جfالٍ يقدّسها الصينيون، كما يقدّسون قبر الfuxi مخترع أسطورتهم الإيمانية، ولو كانت صور “ماو” في ساحة “تينانمان” قد بيعت، بالمزاد العلني كصور “مقدّسة” للصينيين. “يتقدّس” المكان إذ تتراكم العلاقات بين البشر، لكن العلاقات بين البشر هي التي توجد المكان وتقدّسه وتحفظ قداسته وترفع الهويات .

بقلم نسيم خوري

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …