ماذا بعد الضربة العسكرية: ردّ فعل أمني لحزب الله؟

مسؤولون لبنانيون لمسوا من سفراء اعتقادهم بوجود دوافع حقيقية لحزب الله في أي ردّ فعل محتمل (هيثــم الموسوي)
تحوّلت الغوطة عاصمة الاشتباك الاميركي ـــ السوري الاول منذ اندلاع الحرب السورية من غير ان يطيح نظام الرئيس بشار الاسد. ابطأت الضربة العسكرية خطواتها وارتفعت نبرة البدائل الديبلوماسية ما خلا القلق مما سيلي الضربة

نقولا ناصيف

تراجع في الساعات القليلة الماضية سجال التقديرات حيال توقيت الضربة العسكرية الاميركية لسوريا واهدافها، من غير ان يسقطها من الحساب.

نُظِر الى التمهل الذي تلا ساعات طويلة من الترقب في اليومين المنصرمين ـ كأن الضربة واقعة بين ساعة واخرى ـ على انه جزء من دورة بطيئة اعتادتها الادارات الاميركية المتعاقبة عندما توشك على قرارات تؤذن بالحرب او بخيارات عسكرية مهمة. كبرمة الفيل، تحرّك خطواتها ببطء ولكنها تصل في نهاية المطاف الى هدفها بقدم ثقيلة. كان الاعتقاد السائد في اوساط مسؤولين رسميين لبنانيين على صلة بمصادر معلومات اجنبية متتبعة للتهديد الاميركي لسوريا ان معطى كبيرا واحدا فقط يوقف الضربة العسكرية. الا انه لا يزال الى الآن غامضا ومجهولا.
في ظنّ المسؤولين الرسميين هؤلاء ان الضربة واقعة ومعروفة النتائج والاهداف والاضرار تحت وطأة فاعلية الآلة العسكرية الاميركية وتفوقها، بيد ان تداعياتها يشوبها الالتباس والشكوك والتقديرات المتناقضة. لمس المسؤولون هذا الانطباع من احاديث مع سفراء دول رئيسية معنية بالاشتباك الاميركي ـ السوري، ومتوجسة من المرحلة التالية لضربة عسكرية محدودة، غير قاصمة لنظام الرئيس بشار الاسد بغية تغريمه فحسب ردا على اتهامه باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية.
لا احد يسعه توقع التداعيات اللاحقة للضربة على الحرب السورية، وعلى موازين القوى العسكرية على الارض وهيبة الجيش وقدرات النظام على الاستمرار، وكذلك على المعارضة المسلحة، اذ ترجح انقضاضها عليه ظنا منها بأن الضربة ستدمّر تفوّق الجيش، وخصوصا على الدول المتورّطة في هذه الحرب. لا احد يملك مفتاح توقيت الضربة بعدما قال الرئيس الاميركي باراك اوباما انه لم يتخذ القرار بعد. من الخميس امس الى اليوم الجمعة، الى السبت بعد انتهاء مهمة المفتشين الدوليين ووضع تقريرهم، بدأ مَن يتوقع القرار الاميركي الاثنين.
كانت قد بلغت الى المسؤولين الرسميين، في الساعات القليلة المنصرمة، معلومات تحدثت عن احتمال تقدّم السعودية بمسودة قرار امام الجمعية العامة للامم المتحدة تنطلق من تقرير المفتشين الدوليين، ومن تأكيده حصول هجوم بالسلاح الكيميائي على مواطنين عزّل وابرياء، من دون ان يحدد بالضرورة مسؤولية النظام عن هذا الهجوم حتى، كي تساق التهمة اليه وتشق الطريق امام واشنطن لتوجيه الضربة العسكرية معوّلة على غطاء الجمعية العامة.
ابرز سفراء دول معنية بالاشتباك الاميركي ـ السوري للمسؤولين الرسميين بضع ملاحظات:
اولاها، استبعاد توسيع نطاق الضربة العسكرية وابقاؤها محدودة في ضوء اكثر من تقييم قدمه صانعو السياسات العسكرية الاميركية للادارة حذروا من تدخّل واسع، او في احسن الاحوال ايغال الضربة في اهداف اضافية تستهدف الرئيس السوري بالذات، فتوقع سوريا في فوضى لا يزال الاميركيون يتحوطون منها خشية تكرار تجربتهم في العراق، وتحديدا بازاء تقويض الجيش السوري.
بالتأكيد لا يريد الخبراء العسكريون، ولا الادارة، وجود الاسد على رأس جيشه، وعلى رأس النظام خصوصا، لكنهم لا يودون رؤية الفوضى تضرب المؤسسة العسكرية الصلبة والمتماسكة رغم كل ما لحق بها، وتدمّرها من غير التيقن ممن يسعه الامساك بها وبقرارها. لا يدخل في حسبان الاميركيين ان «الجيش السوري الحر» او اللواء سليم ادريس الذي يقود اركان المعارضة المسلحة هو البديل الحتمي والملائم للاسد وقادة جيشه. يفتقر الاميركيون الى قائد عسكري علوي كبير في الجيش يعتمدون عليه لانقاذ المؤسسة بعد انهيار الاسد، والمساهمة في بناء سلطة سياسية جديدة من خلالها.
ثانيتها، يرجح الاميركيون، وفق ملاحظات السفراء، ان يكون الردّ من ايران فحسب. قدرات الجيش السوري في الردّ محدودة وضعيفة، وغير مجد استثمارها سياسيا وعسكريا سوى في المجتمع السوري المغلق على نحو ما يشيعه الاسد. بدوره الردّ العسكري الايراني يفتقر الى التفوق قياسا بالآلة العسكرية الاميركية، ولن ينخرط في مواجهة مباشرة يتحسب لها هو الآخر. لا يحجب ذلك اعتقاد الاميركيين ـ بل يقينهم ـ بيد طولى ومحترفة للايرانيين، وتاريخ مشهود، في الردّ على المواجهة العسكرية بأعمال امنية تتوخى الانتقام والابتزاز وتصفية الحساب.
وهو مغزى الدرس الذي يتحدث عن التقييم العسكري الاميركي للادارة عندما يتناول ضرورة الاخذ في الاعتبار ردّ فعل محتمل على الضربة العسكرية لسوريا، مستعيدا ما فعلته ايران في خضم حربها مع العراق عندما تأكدت من دعم واشنطن نظام الرئيس صدام حسين ضدها، فتحرّكت من ساحة نفوذها في لبنان، في ما عُرف في منتصف الثمانينات بهجمات انتقامية لانتحاريين قيل بعد وقت قصير ان «منظمة الجهاد الاسلامي» وراءها، ثم ابصر حزب الله النور. شملت الهجمات الامنية المصالح الاميركية والرعايا الاميركيين والاوروبيين بخطفهم تارة واغتيالهم طورا وانقطاع اثرهم في بعض الاحيان. كذلك حال تفجير السفارة الاميركية في نيسان 1983 ثم مقرّ «المارينز» في مطار بيروت في تشرين الاول. وليس في وزارة الدفاع او الادارة مَن يتوقع ردا عسكريا تقليديا مشابها للضربة لسوريا، الا ان احدا لا ينفي الخيار الامني.
ثالثتها، على نحو كهذا يُنظر الى دور حزب الله اليوم في تقدير تداعيات الضربة العسكرية: حليف عقائدي وديني لايران، وحليف سياسي لنظام الاسد ويقاتل في صفوفه ومكّنه من الانتصار في اكثر من مكان واراح الجيش السوري من مسارح عمليات عسكرية عديدة في ريفي حمص ودمشق. لا يشكك الاميركيون في قدراته القتالية وكفاياته وخبراته العالية وكذلك في تمرّسه في حروب مع اسرائيل وتسليحه، ويرون انه جزء من المجتمع اللبناني في الوقت نفسه يمثل طائفة رئيسية تقف الى جانب النظام، فاذا هي على طرف نقيض مع طائفة اخرى من اللبنانيين منددة بالاسد ونظامه. ورغم ان الايام الحالية ليست مشابهة لثمانينات القرن المنصرم، الا ان المسؤولين الرسميين اللبنانيين لمسوا من السفراء زوارهم اعتقادهم بوجود دوافع حقيقية ـ وقد تكون مصيرية ـ تجعل الحزب في صلب اي ردّ فعل محتمل تتخذ إيران قراره.

20130830-215957.jpg

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …