إسراء الفاس
“يومها كنت في قُـم، تلقينا خبر دخول صدام إلى الكويت، في حينها لم يخطر على بالي أحد إلا الشباب المعتقلين في سجن الكويت ومن ضمنهم السيد مصطفى بدر الدين، كنت أسأل نفسي ما هو مصير هؤلاء بعد دخول صدام”. يقول أنيس النقاش، منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية في حديث لموقع المنار.
“مصطفى بدرالدين” كغيره من قادة المقاومة الكبار… لا يُذكر اسمه في الضاحية الجنوبية لبيروت إلا عند التعليق على ما تتناوله الصحافة او المواقع الالكترونية من اتهامات وسيناريوهات تهدف إلى تشويه صورة الرجل الذي يعرفه أهل المقاومة في لبنان بأنه أحد قادتها البارزين، وصاحب انجازات لا يتسع المجال لذكرها.
هناك الكثير من الشباب ممن يتلقون الأوامر من “مصطفى بدرالدين” لا يعرفونه، وهناك من قد يلتقي به ولن يعرفه. “مصطفى بدرالدين” كغيره من القادة ليس من هواة شهرة ولا تداول هنا أو هناك.
ورغم ذلك، حوّلت التقارير الصحفية إسم “مصطفى بدرالدين” ليكون أكثر العناوين اجتذاباً للقراء. تقارير عدة نُشرت حول الرجل، قدّمته على أنه الرجل المتعدد العلاقات، ذو الطبع الحاد، والمنغمس في الفساد، يملك الشقق الفاخرة والسيارات عدا عن اتهامه باغتيال الرئيس الحريري اضافة الى تقرير الخزانة الاميركية وتجميد أصوله المالية وغيرها من الأمور ذات الصفة التشويهية. يقول النقاش إن التقارير هذه أُنفق عليها المليارات بهدف تشويه المقاومة. وليست “اسرائيل” وحدها من أنفق هذه الأموال، بل إن دولاً خليجية كانت حريصة على دعم كل ما من شأنه أن يسيء إلى حزب الله ومقاومته ورموزه.
يكمل النقاش حديثه حول خروج السيد بدر الدين من السجن في الكويت في عام 1990 بعد أنّ غزته قوات صدام حسين. ونظرا للقيمة التي يمثلها “السيد” يكشف النقاش عن اتصالات بالمسؤولين الايرانيين ليكونوا على استعداد لعملية تبادل مع النظام العراقي حينها اذا ما تم التعرف على شخصية بدر الدين. “واقعاً، لم نكن نعتقد أن هناك حلاً آخر”.
في هذه الفترة كانت القوات العراقية تمارس النهب في البيوت الكويتية، أُحرقت الممتلكات العامة وتم فتح السجون، فخرجت “المجموعة”، ومنها بدرالدين.
لماذا “مصطفى بدرالدين”؟
“لأن للرجل خلفية وتاريخاً، وهو يحتل موقعية عُليا في العمل المقاوم، يعتقدون أن للرجل دوراً في سورية يُزعجهم.. ومعلوماتهم قد لا تكون صحيحة”، يقول أنيس النقاش.
يرتبط اسم بدرالدين بالعمل المقاوم لحزب الله، والذي يمثل الجانب الأنصع والأكثر احتراماً من قبل الجمهور، وضرب هذا الصورة يعتبر هدفاً مهماً بالنسبة للعدو.
فهو ابن الغبيري، والذي تعرفه الأوزاعي وحارة حريك، وما بعدهما، تختزن حياته الكثير من الأسرار التي لم يؤذن بالكشف عنها. وعلى صورة رفيق دربه الشهيد القائد عماد مغنية، تدرب مصطفى بدر الدين مع حركة فتح، وخاض وقاد المواجهات ضد العدو الصهيوني منذ البداية في العام 1982 ابان الاجتياح اذ كان من ضمن المجموعة التي تصدت للجيش الاسرائيلي في معركة خلدة الشهيرة، والتي منعته من دخول بيروت عبر البوابة الجنوبية.
“تخريب صورة المناضل” أو ما يُعرف بـ “الاغتيال المعنوي”، هو أسلوب يُدرّس في الأكاديميات تحت عنوان: “كيف تحارب حركة ثورية”.
يتحدث أنيس النقاش عما قرأه عن “فن محاربة الحركات الثورية”، اذ يستعرض قصة حصلت بين البريطانيين والجيش الجمهوري الايرلندي الذي كان يُطالب بالاستقلال. يروي: “عندما تمكن البريطانيون من تحديد المسؤول عن العمل الثوري، استطاعوا خطفه وقتله وذوّبوا جسده بالأسيد. بعد اختفائه شكّ المؤيدون للجيش الايرلندي بأنه قد يكون معتقلاً أو مقتولاً… لم تمضِ أشهر حتى أخذت عائلته تتلقى حوالات مالية من كندا باسمه. كان هدف البريطانيين اقناع المؤيدين للقضية أن “القيادي الثائر” هرب بأموال الجيش إلى الخارج، وكانوا يريدون قطع التمويل الذي يتلقاه الجيش من المتعاطفين مع قضيتهم في الولايات المتحدة من خلال التشكيك بنزاهة الجمهوريين الايرلنديين، وضرب الثقة بهم. نجح البريطانيون باقناع الجيش الايرلندي أيضاً بأن القيادي هرب بالأموال، وأحدثوا بلبلة في صفوف الجيش، وظلت القصة مخفية إلى أن كشفت عنها تحقيقات صحفية نُشرت لاحقاً”.
يُقال إن الاغتيال المعنوي قد يُغني عن التصفية الجسدية، وهذا القول لا يصمد أمام حالة مصطفى بدر الدين، الذي لا يريح “اسرائيل” الا تصفيته. لا تمر ثانية على مصطفى بدرالدين لا يكون فيها هدفاً ثميناً ومطلوباً.
ويوضح أحد المتخصصين في تحليل الخطاب أن هذا الأسلوب “يستخدم العناوين الأخلاقية العامة بشكل غير أخلاقي ضد شخصية عامة، يُراد اسقاطها اجتماعياً. هنا تستخدم عناوين الدين والفضيلة والإرهاب والخيانة الوطنية ضد الخصوم السياسيين بقصد النيل من القيمة المعنوية للشخص في الفضاء العام عند جمهوره أو عند الرأي العام”.
ويضيف إن ما يصفه بـ “الاغتيال السياسي” ترسمه “أجهزة الاستخبارات، وتنفذه الميديا ووسائل الإعلام والمؤسسات التي تخفي أجندتها تحت عناوين براقة”… “وفيما لو أخذنا حالة مصطفى بدرالدين فيتضح أن الاغتيال المعنوي، هو استراتيجية يستخدمها أعداء حزب الله ضد قيادييه لاسقاطهم اجتماعياً، نظراً للصورة النموذجية التي ينظر بها الجمهور لحزب الله”.
الاغتيال المعنوي دليل “عجز”
يوضح النقاش هنا، أن الاغتيال المعنوي يأتي للتغطية على العجز عن انجاز اغتيال جسدي. تدرك “اسرائيل” أنها عاجزة عن تصفية “بدرالدين”، ولذلك فإن ضخ التقارير المسيئة له يُراد منها القول إن بقاء رجل “بهذه المواصفات أفضل من قتله”.
وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قال في خطاب احتفال تخريج أبناء الشهداء،: “من لم تصل إليهم أيديهم بالاغتيال الجسدي يعملون على اغتيالهم معنوياً. وهناك مواقع إلكترونية إسرائيلية ومخابراتية متخصصة، تركز على إخواننا وقياداتنا ومجاهدينا، وتنسب إليهم اتهامات على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الأخلاقي، والمالي، والسلوكي. يأتي هذا في سياق الاغتيال المعنوي لقادة لهم تاريخ في العمل الجهادي ولهم تضحيات وإنجازات كبيرة، بعد العجز عن النيل منهم جسدياً”.
هنا يختم منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية: “قد يكون للدعاية الإعلامية والضخ اليومي أثر في اللاوعي عند المتابع، ولكن ما يهم أن لا أثر لكل هذا الضخ على وعي شباب المقاومة. ما نراه يومياً من انجازات وتضحيات، يثبت ثقة هؤلاء بقيادتهم. حتى على الصعيد الشعبي هناك وعي بأنّ ما يجري هو استهداف معنوي وأسلوب آخر من أساليب الحرب على المقاومة، نحن نلمس الحضور القوي للمقاومة في الوجدان الشعبي وهو ما يجعلنا نطمئن أننا بألف خير”.
المنار