القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز (GECF) والتي تعقد في طهران الیوم (الاثنین 23 نوفمبر 2015) بحضور كبار مسؤولي 12 بلد هم الاعضاء الدائمون والمراقبون في المنتدی، ومنهم الرئیس الروسي فلادمیر بوتین، لن یكون حدثا عابرا بكل المقاییس.أهمیة الحدث تنبع من موضوعه وبعض البلدان التي تلتقي من خلاله.. فلا یزال الغاز یشكل سلعة استراتیجیة تهیمن علیها عالمیا روسیا وبعض البلدان الاخری، فهذه الدول ( دول المنتدى تمتلك 70% من احتياطي الغاز العالمي و40% من انابیبه و65% من الغاز الطبیعي المسال).. واذا ما نظرنا الی المشاكل التي یواجهها العالم علی المستوی البیئي، تتضح أهمیة الغاز كمصدر للطاقة یمكن ان یعالج المشاكل التي يسببها النفط، اضافة الی سعره المتدني في مقابل المنتوجات النفطیة.
ولن نكون قد كشفنا سراً اذا ما قلنا ان ” الحرب العالمیة ” الجاریة في سوریا منذ 5 سنوات وهذا الهجوم الغربي ـ التكفیري الهمجي، وكل مهرجانات الذبح والدمار والتخریب التي جرت بحق السوریین والعراقیین كان أحد اسبابها انبوب الغاز القطري ـ التركي ـ الأوروبي وحقول النفط المترعة في العراق..
فالهجمات الغربیة التي تتلقاها المنطقة منذ الحملة الفرنسیة علی مصر وقبلها القرصنة البرتغالية في الخلیج الفارسي كان ولایزال سببها الاقتصاد والثروة والمال.. وان زُینت بشعارات الدیمقراطیة وحقوق الانسان.. والاَ أين حقوق الانسان من أطفال فلسطین والیمن والبحرین، وأين الدیمقراطیة في منظومة آل سعود وحلفاءهم من آل نهیان وآل خلیفة وآل ثاني و…هلم جرّ!
وبالتالي فان أهمیة الغاز كأحد أهم مصادر الطاقة (الاحفوریة) یمكن ان یشكل عاملاً ضاغطاً علی السیاسات الأمنیة والعسكریة القائمة في المنطقة والعالم، من خلال استبدال الصراعات بالتعاون والتنسیق وفق معادلة “رابح = رابح”، فالكل یمكن ان یجد مصالحه في حال التعاون، المصدرون والمستهكلون والذین تستضیف بلدانهم انابیب النقل.
ولیس بعیداً عن قمة منتدی الدول المصدرة للغاز.. تحتل زیارة الرئیس الروسي فلاديمیر بوتین، والذي تحول بعد العملیات العسكریة لبلاده في سوریا الی الرجل الأول المطروح علی المستوی العالمي في مواجهة للارهاب الممول والدعوم من الغرب وحلفائه الاقلیمیین.. تحتل هذه الزیارة الرسمیة لإيران أهمیة بالغة علی المستویین الثنائي والدولي (والاقلیمي).
فالزیارة تعكس حجم التعاون ومستوی التقارب بین إيران وروسیا، تعاون تجلی في الصفقات التي وقعها وسیوقعها الجانبان علی المستوی الاقتصادي والتقني والتي بلغت مئات الملیارات من الدولارات، وتنوعت بین اقامة مفاعلات نوویة جدیدة وتبادل السلع الاستهلاكیة بین البلدین وتحدیث اسطول النقل الإيراني واستیراد مختلف التقنیات ومنها الفضائية والعسكریة، اضافة الی بعض انواع الاسلحة التي تتمیز بها الصناعات العسكریة الروسیة.
وإيران التي كانت منذ عصر القیاصرة تشكل طریقا للوصول الی المیاه الدافئة، اصبحت الیوم شریكا استراتیجیا لروسیا الفیدالیة في المنطقة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية، في مواجهة التمدد الأميركي ـ الغربي (الناتو) الى بلدان الخليج الفارسي العربية والعراق..
والشراكة التي اقصدها هنا ليست كتلك التي بين تركيا والناتو أو بين السعودية أو البحرين أو الامارات مع أميركا.. ابداً، فهذه الدول تابعة وتحدد لها أطر عامة لا يمكنها الخروج منها ولا تملك اي هامش في المناورة، فكل النطاقات محددة والدور في حدود التعريف القادم من خلف البحار!
بينما إيران دولة وقوة تفرض رؤيتها على شركائها واعدائها، حتى في المواقف الصعبة والتي يعتبرها البعض منزلقا نحو الصدام الدولي والحرب أو حافة هاوية.. كما حصل في المؤامرة الأميركية ـ السعودية على سوريا 2013 والتي عرفت بمؤامرة “بندر” أو الكيماوي السوري.. أو كما اتضح في مفاوضات النووي مع 5+1 وقبله في ادارة الجمهورية الاسلامية للحظر المفروض عليها والتهديدات الخيار العسكري…
أجل.. استطاع الإيراني ان يكسب ثقة اصدقائه وحلفائه وايضاً احترام اعدائه الكبار واللاعبين الاساسيين في المسرح الدولي (ولا اقصد هنا الرعاع الذين لم تغير مظاهر المدنية الحديثة من بداوتهم وجوهر همجيتهم)، لذلك اصبحت خياراته (الإيراني) متعددة ومجال مناورته واسعاً.. لان الجميع يطمحون الى شراكته، حتى لو كان لكل منهم أهدافه.
لقاء بوتين مع القياة الإيرانية، وخاصة سماحة قائد الثورة الاسلامية، ورغم انه ليس الأول، يشكل نقلة نوعية في أهم ملف يواجهه الطرفان الإيراني والروسي، وهو الدول الراعية للارهاب.. أكرر لمن لم يقرأها جيداً.. الدول الراعية للارهاب وليس الارهاب فقط.
فهذا الفيروس الوهابي ـ الغربي والذي شارك الغرب بأجمعه وكل حلفائه في المنطقة (قبل ان يرتد عليهم) في صناعته وتمويله وادارته، لا يكفي ان تقطع فروعه المتمثلة بعناوين اقليمية أو قطرية كالقاعدة وداعش والنصرة وجيش الفتح واحرار الشام والجبهة الاسلامية وبوكو حرام واجناد بيت المقدس ولشكر جهنكوي وانصار الشريعة و… الخ من التنظيمات الارهابية التي خرجت من مفقسات السي اي ايه والانتلجنس سيرفس والموساد والمدارس التكفيرية الوهابية المنتشرة من جاكرتا الى طنجة، بل لابد من تجفيف مصادره الفكرية والمالية وضرب البؤر الفاسدة التي خرج منها، وبعبارة اوضح الدول التي تتبناه وتدعمه علانية وهي: السعودية وقطر وتركيا، لما تشكله سياسة هذه البلدان من خطر على الأمن والسلم الاقليميين والدوليين وعلى الأمن القومي في كل من إيران وروسيا وبلدان اخرى.. الامر الذي تكفله القوانين الدولية.
وما نأمله هو ان يتحرك اللقاء بين الجبارين (الإيراني والروسي) في سياق ما تحدثت عنه صحيفة “برافدا” الروسية مؤخرا، أو ما تكلم به الرئيس السوري قبل يومين الى قناة فينيكس الصينية.. فقط طفح الكيل وفاض كأس الصبر في مقابل صلف القوم وتماديهم في همجيتهم…
نأمل أن نجد فعلاً على الأرض يعيد للمصابين بمرض الزهايمر بعضا من وعيهم المفقود ويعيدهم الى حجمهم الطبيعي.. وأن نلمس نتائج لقاء الزعيمين سريعا.. فللصبر حدود.
* علاء الرضائي
المصدر: العالم