ظهر خلال النصف الأول من القرن الماضي مُصلح إسلامي (يدين بالولاء لآل بيت النبوة) هو السيد محسن الأمين الشقرائي العاملي ، فحاول إدخال بعض التعديلات والتصحيحات الضرورية في شعائر حادثة كربلاء المأساوية وتلاوة السيرة الحُسينية ،وذلك تنزيهاً لهذه الذكرى عن الخرافات والمبالغات وحتى “الإساءات” التي تلحق بعموم المسلمين الذين يُحيون أحداث هذه المأساة، فناله النصيب الأوفر من القدح والذّم والسّب واللعن بتهمة إزدراء جلال المأساة الكربلائية وهول مصابها.
ويبدو أنّ الشيخ ياسر عودة ،وفي أيامنا هذه، يسير على درب السيد الأمين، فكلّما علت نبرته في الإحتجاج على بعض الموروثات والأباطيل والتحريفات التي لا تليق بتراث شيعة آل أبي طالب، وتبيان ما فيها من تحريف وزيف وحتى شعوذات، كلما إرتفعت بوجه الشيخ البذاءات والشتائم بحقّه وحقّ أتباعه، دون مراعاة لحرمة دين أو أدب أو خُلق.
أولاً: حُسنُ الأدب وعفّة اللسان عند العرب
ما تفاخرت العرب في الجاهلية والإسلام بشيءٍ كما تفاخرت بحُسن الأدب وطيب المعشر وعفّة اللسان، فكانوا يتخيّرون الكلام، ويستهذبون الألفاظ، ويستجزلون المعاني، لذا كانت العرب تولي من يقوم بلسانها في المحافل والمشاهد ومجامع الشعر والخطابة العناية الكبرى، ألا نرى أنّ قيس بن عاصم المنقري لما وفد على النبي “ص” بسط له رداءه وقال : ” هذا سيدُ الوبر.” أو ما أجاد به الملك النعمان بن المنذر في مجلس كسرى عندما سمع منه من تنقُّص العرب وتهجين أمرهم، فكان من جملة إفتخاره أنّ الله تعالى أنعم للعرب بحكمة ألسنتهم، وظهر ذلك في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه، وضربهم للأمثال، أمّا دينهم وشرائعهم ، فإنّهم متمسّكون بها، وبلغ ذلك باتخاذهم أشهُراً حُرماً، وبلداً محرّماً، وبيتاً محجوجاً ينسكون فيه مناسكهم، ويذبحون فيه ذبائحهم، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه، وهو قادر على أخذ ثأره، فيحجزه كرمه ويمنعه دينه من تناوله بأذى.
ثانياً: الترفُّع عن السباب والشتائم
يزخر التراث الإسلامي بالأدبيّات التي تنهى عن فحش القول وإساءة الأدب، فقد أُتي برأس يزيد بن المهلّب ووُضع بين يدي الخليفة الأموي يزيد بن عبدالملك، فنال منه بعض جلسائه ، فقال له: ” مه، إنّ يزيد بن المهلب طلب جسيماً وركب عظيماً ومات كريماً. “
وقال عبدالملك بن مروان للحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة: ” ما كان يقول الكذّاب في كذا وكذا؟” يعني إبن الزبير؛ فقال: ” ما كان كذّاباً”، فقال له يحي بن الحكم:” من أُمّك يا حارث؟ ” قال: ” هي التي تعلم “،قال له عبدالملك:” إسكت، فهي أنجبُ من أمك.”
وما هو أبلغُ من هذا وذاك، نفور الفقهاء والأدباء وعليّة ُ القوم من كلّ قولٍ فيه تعدٍّ وسبّ، فقد ذُكر أنّ الحارث بن مسكين دخل على المأمون فسأله عن مسألة ،فقال:” أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك هارون الرشيد،” وذكر قوله، فلم يُعجب المأمون، فقال:” لقد تيّست فيها وتيّس مالك.” قال الحارث: ” فالسّامع يا أمير المؤمنين من التّيسين أتيس”؛ فتغيّر وجه المأمون، وقام الحارث بن مسكين فخرج وندم على ما كان من قوله، فلم يستقر في منزله، حتى أتاه رسول المأمون، فأيقن بالشّر ولبس ثياب أكفانه، ثم أقبل حتى دخل عليه، فقرّبهُ المأمون من نفسه، ثم أقبل عليه بوجهه، فقال له: “يا هذا، إنّ الله قد أمر من هو خيرٌ منك بإلانة القول لمن هو شرٌّ مني، فقال لنبيّه موسى “ص” إذ أرسله إلى فرعون:(فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكّرُ أو يخشى)،” قال: ” يا أمير المؤمنين، أبوءُ بالذنب ،وأستغفر الرب،” قال: ” عفا الله عنك، إنصرف إذا شئت.”
ألا تستطيعون إلانة القول للشيخ ياسر. فلا هو شرٌ من فرعون، ولا أنتم في لباس النبوة والصالحين.
بقلم الدكتور أحمد خواجة
المصدر: newlebanon.info