كن حسيناً ولا ترضخ ليزيدك!
يكون يوم غد السبت أول أيام محرم الحرام والذي ينطلق معه المسلمون الشيعة في مناسبة لإحياء سلسلة من المراسم والشعائر مستذكرين بها واقعة ألطف التي استشهد فيها حفيد الرسول الحسين وأبناؤه وموالوه وسبيت نساؤهم.
وفيما يجمع الشيعة على إبراز مظاهر الحزن والتعبير عنها في العشر الأوائل من هذا الشهر، فإنهم يختلفون في فهم معناها وتأدية واجباتها كل بحسب مقدار معرفته واطلاعه والتزامه الديني وانتمائه العقائدي والسياسي.
بالنظر الى عاشوراء من خارج الإطار الإسلامي تجد نفسك أمام حدث سياسي تاريخي ثار فيه طالب سلطة متمثل بالإمام الحسين على حاكم ماسك للسلطة هو يزيد ابن معاوية في حرب لا بل معركة غير متكافئة عتاداً وعديداً ليفوز فيها الأقوى عسكريا بالطريقة السائدة في ذاك العصر.
لعل الشق الآخر من المسلمين غير الشيعة يتبنون هذه النظرية التاريخية مضيفين عليها بعض الأوجه الشرعية وليساووا في نهاية المطاف بين طرفي نزاع يمكن أن يكونا على درجات متقاربة من المكانة والإحترام.
بالمجيء إلى الشيعة أنفسهم والذين تعتبر كربلاء من المداميك الأساسية في بناء فكرهم وثقافتهم تجد أن الشيعة إنما هم شيع في فهم عاشوراء الحسين عليه السلام.
هناك البسطاء الذين يكتفون من مصاب الحسين في واقعة عاطفية أليمة تعرض فيها حفيد الرسول وابن بنته وابن عمه لمصاب يدمي القلوب. فينطلقون في اعادة احياء لمأتم ولعواطف تجاه آل البيت ونقمة تجاه من اعتدوا عليهم.
بالمقابل تجد أن هناك فئة تستفيد من هذا الحضور المهيب للمناسبة لينطلقوا بأعمال وأفعال فلكلورية الكثير منها مستورد من ثقافات وحضارات بعيدة عن الإسلام لينطلق الناس في حفلات هستيرية يغيب عنها العقل والتدبر ليحضر فيها الكثير من مظاهر التخلف والإبتعاد عن الدين والخلق السليم.
ولا بد هنا من أن نستذكر الفئة المتاجرة التي تستفيد من هذه المناسبة للترويج لتجارات دنيوية.
ولعل أفضل استفادة من عاشوراء الحسين هي في إسقاط هذا العشق وهذا الإيمان وهذه التضحية على واقع ظلم معاصر فيغرف من فيض عاشوراء لتروى ثورات وحملات يكون فيها مصاب الحسين محركاً ومنشطا ودافعا نحو المزيد من التضحية والعطاء. لكن هذا الجانب ومع أهميته يبقى محدود الفعالية كونه موجها من قيادات وأحزاب لخدمة أهداف سامية في أغلب الأحيان ولكن محدودة.
بالبلوغ الى كنه ثورة الحسين نجد أنها أكبر وأجل وأعظم من كل ما تقدم. ثورة الحسين بالنسبة للدين كله أي الإسلام هي أشبه ما يكون بناعورة المياه العظيمة في بركة ماء راكدة والتي لولا حركتها لما كان للدين من حياة ونشاط وتجدد.
حصر كربلاء بالواقعة العسكرية التاريخية ظلم ليس بعده ظلم للإمام الحسين عليه السلام. النظر لكربلاء من هذا الجانب فقط يجعل من فعل الحسين عملا طائشاً سطحياً وخطأً فادحاً حاشاه الله.
لفهم الحسين وثورته لا بد من العودة إلى ما أخبرنا به الرسول عن حفيده. لقد قال صلوات الله وسلامه عليه وآله حسين مني وأنا من حسين!
أنا من حسين!
رسول الله من الحسين. حامل الرسالة من الحسين. مخلص البشرية بقدرة البارئ من الحسين. الدين من الحسين!
مع هذا القول هل يجوز حصر ثورة الحسين بهذا اليوم ونتائجه الميدانية البحتة. لا والله فلننظر كيف يكون الدين والرسول والإسلام من الحسين عليه السلام.
لم يكن يزيد استثناءا تاريخيا عابراً بل إن يزيد هو تجسيد للنفس البشرية المتسلطة المنفلتة الأمارة بالسوء الجبارة الكافرة والملحدة.
لذلك خرج الحسين الذي هو أحد سيدي شباب أهل الجنة ورمز الطهر والتقوى من ناحية العصمة والأب والأم والأخ والجد ليقارع رمز الجحود يزيد.
خرج الحسين ليحمل رسالة إلى كل مسلم منذ كربلاء والى يوم الدين، هي رسالة مفادها أن كن حسيناً ولا ترضخ ليزيدك. ولما كان الجود بالنفس من أسمى آيات الجود ولما كان من يجود هو الحسين الإنسان الأكمل إلى يوم الدين فإن ما يحمل رسالة الحسين عبر الزمن هو دمه ودم رضيعه الشريفين والزكيين.
إعرف يزيدك! هي رسالة الحسين. يزيدك في الحكم، في السلطة، في التجارة وفي كل مجالات الحرية والحق في حياتك. ويوم تعرفه يقول لك الحسين أخرج عليه ولا تركن له. لا تخف يقول الحسين فمهما علا شأن يزيدك فلن يكون أكثر بأسا من يزيدي في الكثير من المواقف. أما إن حصل ورأيت بأساً مشابها فلك بي أسوة حسنة.
هذا الحسين الذي وصلنا. نذهب إلى المجالس لنتفكر في زماننا ويزيدنا. نبكي الحسين شاكرين على عظيم التضحية ليوصل لنا رسالة الدين بعد كل هذه السنين. لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.
واحسيناه
…
وا شهيداه
…
واحبيباه
…
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أبناء الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.
نضال بيضون
سيدني، أو كربلاء، أو بنت جبيل، أو دمشق، أو طهران، أو جرود عرسال، أو مزارع شبعا ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٤
عظم الله لنا ولكم الأجر