كلنا يعني كلنا

عايدة صبرا تدحض مقولة “الجمهور عايز كده”
كاترين ضاهر
لم تعجب “الست نجاح” كندا بنظامها، فقررت العودة إلى رحاب الوطن، حيث لا يوجد “بعزقة بالكهربا المشعشعة”، أو حيث “تحاصر الأشجار البيوت”، ولا مطربات طبيبعيات لا يرافقهن “الباديغارد”، و”ما طارشين وجهن بالبويا… ومنفخينه بالبوتكس”.
ومن منّا لا يعرف “الست نجاح” التي تربعت في قلوب اللبنانيين بعفويتها و”هضامتها”، لتنضم بعرض مسلسل “حلونجي يا إسماعيل” (1995)، إلى المسلسلات الأكثر شعبية.
لم ينسَ الجمهور “نجاح”، الشخصية التي جسدتها المبدعة المخرجة والكاتبة المسرحية عايدة صبرا منذ 21 عاماً، فسارع إلى استقبالها على صفحات التواصل الاجتماعي، ومتابعتها بلهفة واستمتاع… وحتى الجيل الجديد جذبته بحرفيتها ونقدها اللاذع للواقع اللبناني المرير.
عايدة صبرا شغلت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بفيديوهات ناقدة نُشرت مؤخراً، وبات لها موعد ثابت اسبوعياً.
“النداء” حاورت الفنانة عايدة صبرا بشأن توجهها إلى مواقع التواصل الاجتماعي وخوض تجربة الفيديوهات على الانترنت، حيث ذكرت أن الفكرة جاءت من خلال تعاملها على الـ”فيسبوك”، بالإضافة إلى “الأحداث التي عشناها خلال السنتين الماضيتين، من الحراك ضد أزمة النفايات وغيرها”، وهي الأحداث التي “تجعلك تتأثرين، فعندما نقارن وضعنا ببلاد الخارج، نعلم أنه يحق لنا العيش بهدوء وأمان، وأن ننعم بنظام وقانون موحد، وليس بقانون حصري يسري على ناس دون آخرين”.
اجتمعت هذه الأزمات كغصة في قلب صبرا، وقررت الإضاءة عليها بأسلوبها الساخر. وعند وصولها إلى مونتريال ( كندا) لزيارة أبنها، نفذت مخططها بالولوج إلى موقع “يوتيوب” لأنه “سيصبح لاحقاً الاتجاه الأساسي”، ذلك أن “الناس ابتعدت عن مشاهدة التلفاز، وبخاصة جيل الشباب، مثل أولادي، وأصبحت السوشال ميديا في الجيب، ويمكن استخدامها من قبل الجميع، وفي أي وقت، لذا كانت التجربة ونجحت كثيراً”.
وعن مصدر دعم فيديوهات “مغامرات الست نجاح” (إنتاجWeb en direct)، تقول عايدة “الله داعمني، بالإضافة إلى تقدير الناس… صادفت في كندا علي ماجد، أحد طلابي السابقين، وهو مخرج محترف ويمتلك كافة التقنيات، والآن أقوم بالتصوير في لبنان ونرسل له المواد”.
 
“نجاح” مستمرة
 
إصرار عايدة على الاحتفاظ بالاسم من “مرت عمي نجاح” إلى “الست نجاح” يعود إلى مواصفات الشخصية، علماً بأن هذا الإسم اطلقه الفنان أحمد قعبور عندما كتب سيناريو “حلونجي يا إسماعيل”، وطبعاً يجب البقاء عليه.
وعن عدم تكرار تجربة “حلونجي يا إسماعيل”، برغم نجاحها، وإعادة تجسيدها بعد 21 عاماً، أشارت صبرا إلى أن قناة “الجديد” تطرح هذه الفكرة. وبالنسبة إلى متابعة عرضه على شاشة “المستقبل”، فإن القرار يعود إلى نية القيمين بالمتابعة أو عكسها: “قدمنا المسلسل في موسمين، وفي المرة الثالثة كتب بأسلوب لم يعجبني صراحة، ولم يكن بقيمة الأول والثاني، فرفضت تقديمه، لأن الأفكار المطروحة لم تكن مهمة كثيراً، مثلما طرحت سابقاً، وتحديداً في الموسم الأول والذي كتبه أحمد قعبور، وقد ساهم أيضاً أحمد علي الزين ونعمة نعمة ببعض حلقاته”.
وتضيف “قعبور يعرف وجع الناس، كونه إبن طريق الجديدة، وعايش كل ما يتعلق بها، ولهذا السبب، نجح المسلسل وبقي في أذهان الناس، وبالإضافة إلى تفاعل الجمهور مع شخصيتنا العفوية وصدقنا أنا وعباس شاهين”.
 
كذبة “الجمهور عايز كده”
 
“مغامرات الست نجاح” أثبتت عكس ما يشاع من سياسة المحطات التجارية، لتظهر أن “الجمهور مش عايز كده”، فالفيديوهات ما زالت متداولة، وأول فيديو “الشجر” فاق عدد مشاهديه مليون وثلاثين ألف مشاهد، وكذلك فيديو “الحديقة” (حوالي مليون مشاهد)، وفيديو الفنانة الكندية انجيليك دورويسو التي نالت جائزة كبيرة في بلدها وهي “غرامبي”، ولديها جولات في أوروبا (حوالي نصف مليون مشاهد).
ولهذا الشريط الأخير قصته الفريدة، فالمخرج كان قد أعد لدورويسو فيديو مصوراً سابقاً، “فجاءت إلى الحديقة العامة لنصوّر معاً ببساطة متناهية”، وأظهرت عايدة خلاله الفرق بينها وبين الفنانات اللبنانيات (صاحبات البوتوكس والعجرفة)، وبعد الاتفاق على الفكرة تفاجأت أثناء التصوير ببساطة انجيليك، فارتجلت مستغربة “جايي بالشحاطة”!
ومؤخراً، أدخلت الترجمة على الفيديوهات، بسبب إقبال الأجانب عليه، ومنهم من طلب الترجمة عندما عرف موضوع الحلقات وأحبوا العفوية وتعابير الوجه، وبدأت نسبة مشاهدة الفيديوهات بالارتفاع 18 في المئة في لبنان، 10 في المئة في كندا، 4,25 في المئة في سوريا، 2 في المئة في الإمارات، والآن أصبح يُشاهد في اونتاريو، وتورنتو، واستراليا وألمانيا (أجريت مقابلة مع تلفزيون استرالي).
 
 
كلنا يعني كلنا
 
نقد الست نجاح موجه إلى الجميع، وهي “تحمّل الحق” على الشعب اللبناني قبل السياسيين، فهو الذي يضعهم على الكراسي: “أنا ألوم الناس، فهم المسؤولون عن الفوضى، بخرق الأنظمة، ودفع الرشاوى لإنجاز المعاملات، وعندما نتفق جميعنا على عدم دفع رشوة (باتصور بيمشي الحال)”.
وتضيف “أنا مسؤولة أيضاً، عندما أرمي النفايات من نافذة السيارة، أو أقطع شجرة لبناء جدار… قطع الشجرة في كندا، على سبيل المثال، يحتاج إلى إذن من البلدية، التي تقيّم الحالة، ولا تسمح بقطع الشجرة، إلاّ في حال كان بقاءها يشكل خطراً على الناس. اما نحن فنقطع بساتين وغابات لتشيّد قصراً”.
وتستغرب صبرا تكرار انتخاب هذا الطاقم السياسي: “مزعوج من حياتك… ليه بتخليهم يذلوك؟ وبتكرر انتخابهم، وتبصم لهن، وبتتظاهر كرمالهم؟ كل شي بيمرق، أنت إذا فقدت وظيفة بيدبر لك الزعيم تبعك شغل؟ الوسايط شغالة وما بيدبروا إلاّ إلى أقرب الأقربين، لكن الناس ما تنق إذا مضايقة من عيشتها وتعاني الأمرين”.
 
الأزمة والحراك
 
حل أزماتنا يحتاج إلى بال طويل، ويجب عدم تكبير الحجر، عبر البدء بتظاهرات كبيرة مباشرة، بل البدء خطوة بخطوة، مثلاً عندما ننضبط بسلوكنا اليومي “بكم شغلة ونجر بعضنا لننضبط فيها”، يصبح لدينا حس مسؤولية للجماعة، وليس دائماً للفرد، نحن أنانيين كثيراً بالأسلوب التي نتعاطى به مع أنفسنا وبلدنا (المهم نكون حاميين حالنا ونكب الكل بالزبالة من أي نوع). وبشرط الكل يتوحد على هالشي وهيك بتجبري المسؤول يخضع لك”.
عندما تفاقمت أزمة النفايات، ونزلنا إلى الشارع، كان يجب التركيز على أزمة النفايات وعدم تشعيب القضايا وتفريعها، وهذا الذي قد يكون أوصل الحراك إلى الفشل. الحراك نجح في بعض النواحي، ولكنه أخفق في أخرى: “وقت تنطي وتدعسي دعسة أكبر من دعستك وغير محضرة، هيدا ما بيظبط”، وخصوصاً أن تركيبة بلدنا، من الصعب إجراء التغيير فيه. وأعتقد ان القضايا المطلبية هي الأساس بالوقت الحالي، قبل القضايا السياسية، مع أنها مترابطة، وقد يكون رأيي خاطئاً، لأن يوجد بعض الناس لديها حساسيات عندم يستخدم الحراك اسم فلان… ونحن في غنى عن ذلك حالياً. وإذا تمت الإضاءة بقوة وجدّية على القضايا المطلبية التي تعني الناس، تدفع الجميع للنزول إلى الشارع، ولكن عندما توجهين الإضاءة على الأحزاب، جمهور الأحزاب لن يقبل بهذا… وصارت وأكلنا قتلة”.
 
واقع الدراما والمسرح
 
واقع الدراما اللبنانية غير محتمل، إذ “هبط” مستواها جداً، وهي في حاجة إلى الكثير من العمل، وخاصة من ناحية المضمون والنص، كما أنها تفتقر إلى الجدية والمهنيةـ، “فمن المعيب نسخ المسلسلات المكسيكية، وكأنه ليست لدينا مشاكل وقضايا تعنينا”.
هنا تتساءل صبرا: “لماذا الغربة عن بيئتنا ومجتمعنا، والإقبال على مواضيع لا تشبهنا؟ شي بيضحك، عيب. ويقولون لك: لا، عم ينشاف بقوة، غير صحيح”.
تتابع ساخرة “لم نستفد حتى من الأعمال المشتركة، صحيح أنها حققت انتشاراً، وهذا شيء جيد جداً، ولكن لم يكن هناك منطق في القصص، فقد أسسوا جمعية أمم متحدة ضمن العائلة الواحدة: الأم لبنانية، الأبن مصري، والإبن الثاني خليجي… أمر مضحك، اعملوا عمل مشترك، بس كونوا جديين بتركيب الممثلين… شو هالهبل”؟
وعن خشبتها التي تجيد اللعب عليها، واختزنت في جعبتها أكثر من 25 عملاً مسرحياً، تؤكد عايدة أن المسرح بألف خير، بالرغم من عدم إعداد مسرحيات كثيرة بسبب عدة عوامل وغياب الدعم، ولكنه أفضل حالاً، حتى في ظل تزايد مسرح الـ “شونسونييه” ولكن هذا أمر طبيعي متواجد في كل بلد. كما أن نسبة الإقبال تتقدم، وفي النهاية، فإنّ العمل الجميل يفرض نفسه، فيجذب الناس، عدا عن العلاقات الشخصية والقدرة على تسويق عملك.
 أما عن جديد أعمال عايدة، فهي تتابع تصوير فيديوهات “مغامرات الست نجاح”، وهي تعرض حلقة جديدة كل سبت لتلقي الضوء على واقع اللبناني في البلد (من أزمة السير، معاناة اللبناني بملاحقة معاملاته في الدوائر الرسمية،..)، وتشارك أيضاً في تصوير فيلم سينمائي قصير.
*العدد 301 من مجلة النداء

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …