وطنية – ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، الاهتداء بهدي رسول الله حين يقول: “إن لله ملكا ينزل كل ليلة، فينادي: يا أبناء العشرين، جدوا واجتهدوا.. يا أبناء الثلاثين، لا تغرنكم الدنيا.. يا أبناء الأربعين: ماذا أعددتم للقاء ربكم (بأية صورة ستواجهون ربكم).. يا أبناء الخمسين: أتاكم النذير، فخذوا حذركم.. يا أبناء الستين: زرع قد دنا حصاده (قرب الأجل).. يا أبناء السبعين: نودي فيكم، فأجيبوا واستعدوا للرحيل.. يا أبناء الثمانين، أتتكم الساعة وأنتم غافلون”. لقد أراد رسول الله بهذه الكلمات، أن ينبه الغافلين، وأن يدعوهم إلى أن يستيقظوا من غفلتهم، وأن لا يغفلوا عن مسؤولياتهم، وأن ينظروا إلى الدنيا نظرة جادة، وأن تكون بالنسبة إليهم ساحة عمل لتحقيق غاية كبيرة، والوصول إلى هدف عظيم، هو نيل رضا الله، وبلوغ جنة عرضها السماوات والأرض. فلا يضيعوا فرصة العمر الذي منحهم الله إياه باللهو والتسويف والإهمال. بهذه الروح الجادة والواعية، بلغ الَّذين سبقونا إلى الله، الهناء والرحمة، وبها، سنبلغ المرتبة نفسها، وسنواجه التحديات، حيث لا يزال العالم العربي والإسلامي على حاله من الصراع والانقسام بين دوله وشعوبه، وقد بات هذا الصراع، مع الأسف، يأخذ طابعا مذهبيا وطائفيا، بدلا من أن يبقى في حدود الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما أدى ويؤدي إلى إذكائه وتفاقمه، لكون هذا العنوان يستجلب الكثيرين الذين لا تحركهم سوى الغرائز المذهبية والطائفية، الأمر الذي يجعل هذا العالم أسير فتنة قد لا تبقي ولا تذر”.
اضاف: “إن هذا الواقع، بات يستدعي من كل الواعين، العمل للحد من المخاطر التي تواجهنا، من خلال تحسين الخطابات في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وإصدار الفتاوى التي تقرب بين القلوب، وتعمق الوحدة. وهنا، ندعو الدول العربية والإسلامية المعنية بهذا الصراع، والمكتوية به، إلى وعي المخاطر التي تترتب عليه؛ ففي هذا الصراع، لن يكون هناك رابح، والكل فيه خاسرون، ولن يخرجوا منه إلا وهم مستنزفون ومنقسمون وضعفاء”.
ورأى انه “من العبث أن يراهن أحد على الاستفادة من الانخراط في تحالف دولي، ليكون في الموقع الأقوى، فقد بات واضحا أن هذا التحالف لم يأت لوأد الفتنة، أو لإصلاح واقع هذا العالم، بل لإدارة حروبه وصراعاته، ورسم خطوط حمر هنا وهناك، أو للاطباق على هذا البلد العربي وذاك البلد الإسلامي”.
وقال: “إن المرحلة تحتاج إلى تضحيات وتنازلات متبادلة، ستكون بالطبع لمصلحة الجميع، وستساهم في إخراج هذا العالم من ضعفه ومن اللااستقرار الذي يعيشه. إنَّ هذا الواقع الذي لا يولد إلا الحروب والصراعات، هو الذي أفسح المجال واسعا للعدو الصهيوني لكي يعمل على تحقيق “أجندته” في فلسطين المحتلة كما يشاء، غير عابئ ببعض ما يصدر من مواقف دولية، في الاعتراف الشكلي بدولة فلسطينية، كما هو الأمر مع مجلس العموم البريطاني، أو ما أعلنته السويد قبل ذلك، رغم تقديرنا لهذه المواقف”.
واضاف: “نحن نرى أن الاحتلال يفسح المجال أكثر أمام مستوطنيه لاستباحة المسجد الأقصى، وفرض أمر تقسيمه واقعيا، زمانيا ومكانيا، ما سيساهم في إسقاط الكثير من قضايانا”.
وتوجه الى الى العرب والمسلمين بالقول: “كفاكم انقساما، كفاكم إضعافا لمواقع القوة لديكم، كفاكم استقواء بالخارج على بعضكم البعض. إنكم لن تستعيدوا تاريخكم المجيد، ولن يعود الأقصى وتعود فلسطين، ولن يكون لكم موقع بين الأمم، إلا بوحدتكم وتعاونكم، وبأن تكونوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر”.
وقال: “عندما نطل على لبنان، نجد أن الخطر لا يزال يحدق به، سواء من خلال استمرار أزمة المخطوفين العسكريين وانعكاسها على أهاليهم، وعلى معنويات الجيش اللبناني، أو من خلال التصعيد الذي يجري على حدوده الشرقية، واستمرار استهداف الجيش اللبناني، وصولا إلى عمليات الفرار من صفوفه، ما يؤدي إلى مخاطر كبيرة، وخصوصا في ظل الترهل الداخلي على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي”.
وجدد “الدعوة لكل القوى السياسية الفاعلة إلى ضرورة العمل لرص الصف الداخلي، وتعميق عناصر الوحدة في مواجهة المخاطر، والكف عن إطلاق الخطاب التوتيري والاستفزازي، فلا ينبغي المراهنة دائما على المظلة الدولية التي تحمي لبنان، فهذه المظلة قد تخترق في أية لحظة، في ظل احتدام الصراع الدولي والإقليمي”.
وختم: “أخيرا، ورغم أننا فوجئنا بحكم الإعدام الذي صدر عن المحكمة الجزائية في الرياض، بحق سماحة الشيخ نمر النمر، بعدما كنا استبشرنا خيرا بأن القضية تسير نحو المعالجة، فإننا لا نزال نأمل أن تكون هذه الخطوة، على مرارتها، تمهيدا لإصدار عفو نتمنى أن تبادر السلطات السعودية إليه، وأن يساهم ذلك بتعزيز العلاقة بين كل مكونات المجتمع السعودي وتمتينها، ولا سيما مع المسلمين الشيعة، الذين نعرف حرصهم على وحدة البلد وأمنه واستقراره، وهم الذين لن يكونوا يوما مشكلة له. إننا نريد لهذا البلد أن يكون أنموذجا في الوحدة والتواصل بين كل أبنائه، وأن يشعر الجميع فيه بأنهم مواطنون من درجة واحدة، ولا تمايز بينهم”.