غير مسار العالم ولن يرحل

الأسد غيَّر مصير العالم … ولن يرحل.
سامي كليب:
لو سقط النظام السوري، ورحل او قُتل او ضعُف الرئيس بشار الأسد لما احتاج العالم الى اتفاق مع إيران، ولما احتاجت أميركا وحلفاؤها في الأطلسي تنسيقا مع روسيا، ولكان الاخوان المسلمون الآن على أبواب الخليج، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجلس في قصره مبتسما وهو يشاهد كل هذا الحريق.
هذه حقيقة لا بد من التوقف عندها، مهما انقسم العالم بين محمِّلٍ الأسد المسؤولية الأكبر في دمار سوريا، أو مُعتبِرٍ الأسد السبب الأول في صمود سوريا وانقاذها حتى نجحت بدم جيشها وأبنائها ودماء من قاتل الى جانبها من حزب الله والحزب القومي الاجتماعي السوري وغيرهم في تغيير بوصلة السياسات الإقليمية والدولية.
ولأن سياسات العالم تُبنى على المصالح وليس الأحلام والأوهام، فان الجيش السوري فرض نفسه لاعبا في المعادلات المقبلة الهادفة الى محاربة الإرهاب والقضاء على داعش وغيرها من المشاريع المتعلقة بمستقبل المنطقة.
ولأن سياسات العالم تُبنى على المصالح وليس الأحلام والأوهام، فان المعارضة السورية قدمت أسوا صورة في تاريخ الدول. فهي انقسمت على نفسها مرارا، وتبادلت اتهامات الخيانة، ولجأت الى سياسة اقصاء الخصم بالرغم من انها عانت هي نفسها من الاقصاء، وباع الجزء البارز منها نفسه مرارا لدول لها أطماع بأرض سورية او لا تريد أصلا الديمقراطية والحريات لكيلا تصيبها العدوى. وها هي الآن متروكة لمصيرها على قارعات طرقات الأمم، تنشد شيئا من فتات مكاسب الاتفاق النووي.
معظم الدراسات الغربية تؤكد الآن، انه لو حصلت الانتخابات بغطاء دولي وبأشراف العالم، فان الأسد قد يفوز، ليس فقط لأن شعبيته لا تزال جيدة، ولكن أيضا لأن لا منافس حقيقا له بين معارضيه الذين ما عاد بعضهم قادرا على الحصول على تأشيرة في دول ادعت يوما انها ” أصدقاء سوريا ” ، ولأن الناس بعد هذه الحرب الضروس، وبعد سوء معاملة اللاجئين في دول اللجوء، وبعد شظف وقسوة وخطر العيش في مناطق سيطرة الإرهابيين والتكفيريين، ما عادوا يجدون غير الدولة تحضنهم، وجيشهم يحميهم.
قد يبدو هذا الكلام مؤيدا للرئيس السوري. وسوف ينبري كثيرون لإطلاق الاتهامات، ولكن منذ بداية الازمة السورية، وانا شخصيا أكتب ان موازين القوى، وتماسك الجيش السوري، وعدم تفكك الدولة المركزية التي لا تزال حتى الان تدفع الرواتب، وبقاء العصب الشعب الأساسي المؤيد للدولة في مكانه، وصلابة الحلفاء من روسيا الى إيران وغيرهما لأن مصالحهما أيضا تقتضي هذه الصلابة، والشخصية الباردة والحازمة للرئيس الأسد، لن تسمح بقلب المعادلات او بسقوط النظام. حينذاك أيضا كان كلامي يبدو حاملا تأييدا للأسد، ولكنه في الواقع كان يستند الى وقائع الأمور لا الى الاحلام والاوهام.
ليس مهما الآن معرفة لماذا وكيف وصلت سورية الى معادلة، “اما الدولة او الإرهاب “، ولكنها وصلت اليها. ما عادت أميركا وحلفاؤها في الأطلسي قادرين على إدارة الفوضى التي اعتقدوا انها في أفضل احوالها تُسقط النظام وتطوق إيران وتنهي المقاومة، وفي أسوأها، تترك سورية مدمرة وجيشها مفكك فترتاح إسرائيل.
ومن يزور الأسد هذه الأيام قد يستنتج الأمور التالية:
+ لا تزال الأولوية للمعركة العسكرية، لأنها الوحيدة التي أثبتت جدواها أمام شراسة الهجوم المعاكس.
+ لا بأس ان تتجاوب سورية مع المبادرات السياسية طالما ان حلفاءها من روسيا وإيران هما في صلب ما يُطرح، لكن لا ثقة بعد بأميركا والاطلسي لانهما لو ارادا فعلا الحلول لجففا فورا مصادر الإرهاب وتمويله واقفلا حدود تركيا ولجما من لا يزال يمول ويحرك الإرهاب على الأرض السورية.
+ يبتسم الأسد حين يقال له ان إيران قد تضحي بك شخصيا لتمرير التسوية. بالنسبة له، لا تتعلق المسألة بأشخاص ولا بعواطف، فمصلحة إيران والمقاومة في ثبات سوريا وصلابتها هي كمصلحة سورية في ثبات موقفها مع حلفائها. ولعل الأسد لديه من الرسائل الإيرانية والروسية وغيرها ما يناقض كل ما قيل ويقال. ولعله يعرف ان من يسرب مثل هذا الكلام يريد الشقاق بين سوريا وإيران من جهة ويريد اضعاف ايران من جهة ثانية.
+ يشعر الأسد بأن الرياح الدولية والإقليمية بدأت تتغير، لكن ثقته أصلا بتلك الرياح ضعيفة، لا بد إذا من البقاء على صلابة الموقف العسكري والسياسي، وإعطاء الأولوية للداخل السوري كما كان الشأن منذ بداية المعركة، وحين يكون في أي مبادرة سياسية ما يناسب سوريا ودورها فلا تردد في التعامل إيجابيا معها. لا شيء يمنع حصول تطورات عسكرية مهمة في الأسابيع المقبلة تتزامن مع الحركة الدبلوماسية.
ما يقال فوق الطاولات عن دول بدأت تمد خطوطا مع دمشق مهم، لكن ما لا يقال هو الأهم. لو نطق وليد المعلم سيكشف الكثير . يشعر الأسد وفق زواره، بان العالم اقتنع بوجهة نظره بشأن الإرهاب،” لكن للأسف اقتنعوا فقط حين صار الإرهاب يطرق ابوابهم ويفتك بشعوبهم، رغم اننا حذرنا مرارا وبعثنا معلومات دقيقة عبر مندوبنا في الأمم المتحدة او عبر آخرين الى كل تلك الدول «.
أن يذهب الوزير العريق بدبلوماسيته وليد المعلم الى مسقط، ويتعمد ان يوزع كل تلك الابتسامات من الدولة الهادئة والجميلة التي نسجت أولى خيوط التفاوض بين إيران وأميركا، فهو يعرف أن الرسائل التي تحملها ابتساماته من قلب الخليج، لها أكثر من اتجاه.
قد يذهب خيال البعض الآن الى حد القول، نعم العالم يريد الدولة السورية ويريد الجيش السوري ويرفض تفكك مؤسسات هذه الدولة لكنه يريد رحيل الأسد، لكن واقع الأمور في سورية يقول ان كل هذه المؤسسات باتت والأسد صنوان.
اما المغامرة التركية الجديدة بذريعة محاربة داعش، فهي بنظر دمشق مجرد تغطية على هزيمة السياسة السورية لاردوغان والتي يدرك ان فشله في الانتخابات وفشله في تشكيل حكومة ائتلافية وفشله في ترويض الكرد، كلها ثمار لقصر نظرته السياسية حيال البلد الجار الذي يوما ما فتح له كل الأبواب حتى على حسابه. السعودية نفسها مستاءة جدا الآن من الحركة التركية.
لا شك ان كل سوري بما في ذلك كل ضابط وجندي في الجيش السوري يريدون الخلاص من هذه الحرب التي دمرت البشر والحجر والنفوس، لكن الأكيد ان بشار الأسد بات بالنسبة للذين يقاتلون الى جانبه منذ أكثر من 4 سنوات رمزا لصمود او انهيار محور كبير….
هو لم يرحل حين كان العالم الغربي والاطلسي ودول خليجية وتركيا جميعا تعمل على اسقاطه، فهل يرحل اليوم بعدما صار الجميع بحاجة لدور سوريا في ضرب الإرهاب وربما بحاجة لها ولإيران لاحقا لك الهدنات والتسويات في المنطقة؟؟؟؟
يجب ان يكون الانسان حالما او واهما او قصير نظر ليفكر بأن اول مبادرة طرحتها إيران بعد اتفاقها النووي مع الغرب ستفضي الى رحيل رئيس لو شاء لكان ربح العالم والاطلسي والغرب والخليج بمجرد أن يبيع إيران او المقاومة منذ اجتاح المجنون جورج بوش العراق وقتل شعبه وتمزيقه.
ربما لذلك يبتسم الأسد، بالرغم من كل الدمار والدموع.
الأستاذ سامي كليب

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …