كانت مرارة أمس ان أقرأ ثلاثة أخبار متناقضة تماماً، الأول عن رئيس جمهورية يعتذر من الشعب طالباً السماح لأن زوجته إشترت منزلاً، والثاني عن وزير للطاقة أنحنى طويلاً امام الشعب بسبب انقطاع الكهرباء، أما الثالث فعن “مجرور الليطاني” الذي يشكل حلقة في مسلسل الفضائح التي تغرق الدولة في “مزبلة القرعون”.
الرئيس المكسيكي انريكي نييتو إنحنى وهو يتعرّق معتذراً ومعترفاً بإرتكابه خطأ السماح لزوجته أنجيليكا ريفيرا الممثلة السابقة بشراء منزل فخم ” لأن من يكون في خدمة الدولة عليه ان يكون مسؤولاً عن الطريقة التي يرى فيها الناس أفعاله”.
يا حرام يا أنريكي، تعال الى لبنان لترى كيف يفاخر المسؤولون، ومعظمهم جاؤوا الى السلطة حفاة عراة إلا مما تركه الوالد، بما صاروا يملكونه من قصور وشقق في عواصم الغرب وأرصدة مرصودة، كأن يُقال مثلاً إن وزيراً شهماً حوّل في سنتين أربعين مليوناً من “الإيروات” الى الخارج، وهذه مجرد عمولة بسيطة قياساً بودائع الحيتان.
انريكي يرجو المكسيكيين: سامحوني أعذروني، زوجتي أخطأت إشترت منزلاً، وبعض شذاذ آفاق السياسة والسلطة والمسؤولية عندنا يضعون إصابع النكاية والوقاحة والفجور في عيون الشعب اللبناني [الشعب، أي شعب؟] ويقولون بالصوت والصورة: هل شاهدتم ما شيّدنا من قصور وهل لاحظتم كيف نكاد ان ننفجر من البذخ ونحن أصبحنا أهلَ ألف ليلة وليلة؟
أنريكي يعتذر وزوجته قررت ان تبيع المنزل لأن المكسيكيين إنزعجوا من بذخ زوجة الرئيس في شراء المنزل، أما عندنا في بلد المنهبة الفالتة والسرقة الفاحشة والسمسرات المتوحشة، فلا تقبل زوجة موظف يجلس وراء جارور مفتوح بأقل من بضعة قصور وفلل وبأن تتسوق من باريس وتحرص على حضور دربي لندن، وهي في المناسبة أمّية “لا تقرئين ولا تكتبين”.
في اليابان وقف يوكيو ايدانو منحنياً مدة عشرين دقيقة متواصلة توازي مدة انقطاع التيار الكهربائي والعالم شاهد صورته معتذراً وخجولاً. وفي لبنان، أقول بصدق، لا يجوز مطالبة الوزير الآدمي المغلوب على أمره أرتور نظريان، جراء ما سبقه ومن سبقه، ان ينحني لأحد بسبب إنقطاع الكهرباء، لأنه يبدو ان “جماعة فاطمة غول” وأخواتها تعجز عن تفسير معنى [٢٤/٢٤] التي فلقونا بها وقد كلفتنا ملياراً ومئتي مليون دولار والشاطر ما يموت!
الخبر الثالث وآخر البِدع، ان كثيرين من السياسين يَعِدون اللبنانيين بإنجاز تاريخي عظيم هو تنظيف مجرور الليطاني وبحيرة الوسخ [عفواً القرعون] بتكاليف تبلغ ٨٨٠ مليون دولار، على رغم ان هؤلاء الأشاوس حَموا المعامل والمسالخ والكسارات والمستشفيات والبلديات والمجارير التي لوثت الليطاني والبحيرة، لكن “الوطنية” تمنعهم من تحميل هؤلاء المُلوِثين مبلغ الـ ٨٨٠ مليوناً، بما يرسّخ لبنان بحيرة سياسية آسنة!