قبل تسعة عشر عاماً وضع أحلامه في حقيبة وسافر، أبو ظبي كانت الوجهة ولآماله كانت القبلة. حطت الطائرة على أرض المطار، نزل على سلمها درجة درجة وهو يفكر ويخطط للمستقبل، لكن لم يخطر في باله لحظة أن يأتيَ يوم ويُرحّل. هو واحد من الأسماء التي وردت على لائحة المرحّلين، إذ تلقّى اتصالاً أُبلغ فيه أن رحلته انتهت ولديه 48 ساعة وبعدها عليه المغادرة.
الخبر نزل كالصاعقة على المبعد من دولة الامارات، الذي رفض الكشف عن اسمه كون زوجته وأولاده وأخوه لم تنته رحلتهم بعد، إذ قال لـ”النهار”: “لا يمكن وصف لحظة تلقي الاتصال الذي أنهى أحلامي، طالباً مني وضع خيبتي في حقيبتي والعودة الى الوطن. قصدت مركز الأمن الذي رفض أن يبلغني السبب، أو السماح بتمديد المهلة إلى حين انتهاء أولادي من سنتهم الدراسية، جوابهم كان أن الأولاد في امكانهم البقاء طالما ان اسماءهم واردة على اقامة والدتهم الموظفة في مكتب عقارات. أبعدت عن العائلة لا بل سلخت عن حياة رسمتها بريشةٍ ألوانها تموّجت بين الصبر والتعب والألم والفرح”.
لا أموال ولا عقارات
ابن برج البراجنة لم يتسنَّ له أن يكمل تعليمه الجامعي لكن “لغتي الثانية كانت جيّدة وهذا ما ساعدني على تأمين عمل في إحدى الشركات لمدة 11 عاماً بعدما عملت في السنة الاولى لوصولي في دهان الموبيليا، واليوم أنا مدير في شركة محترمة”. وعلى رغم سنوات عمله ليس لديه أي املاك في الامارات، إذ قال: “كنا مرتاحين، نعيش كل يوم بيومه، لم أجمع أموالاً ولم أكن أحوّل اياً منها إلى لبنان إلا ما ندر، لذلك عندما أبلغت بالخبر المشؤوم لم أقلق كيف سأرتب حساباتي المصرفية غير الموجودة”.
روتين
حياة المبعد (42 سنة) والأب لثلاثة أولاد كانت طبيعية لم يتخللها أي مشاكل، “من المنزل إلى العمل، ونهار الجمعة إلى المتنزه أو المجمع التجاري أو السينما كترفيه مع العائلة، حياة روتينية اندمجنا فيها وفي المجتمع”.
لم يخالف المبعد القوانين يوماً بحسب ما قاله، وأضاف: “كذلك لم أتكلم في السياسة التي لا أفقه بها”. وعما إذا كان يضع صورة للسيد حسن نصرالله في منزله، أجاب: “كلا، أنا وعائلتي حريصون على الابتعاد عن وضع أي صورة لها دلالات طائفية، لا اقصد حسينيات ولا أحضر حلقات دينية ولا شيء يدل إلى أنني شيعي”.
“السبحة كرّت”
لا يعلم لماذا رُحّل “هو الحظ السيئ الذي أدى الى ورود اسمي على اللائحة، أردت أن أودع صديقي لكن خشيت ان يرّحل هو الآخر بسبب اتصالي، ويا للأسف تلقيتُ اتصالاً منه اليوم أبلغني ان دوره جاء وعليه المغادرة، لا أعلم ماذا يحصل، سبحة وكرّت”.
لا يريد المبعد أن يفتح حقيبة الخيبات التي عاد بها، هو لا يزال يأمل أن تنظر دولة الامارات في وضعه ووضع المرحّلين، أما عتبه على الدولة اللبنانية فكبير” لو لدينا دولة بكل ما للكلمة من معنى لم تكن لتصل الامور الى هنا”. وتساءل “هل كانت الامارات لتتخذ مثل هذا القرار مع الأوروبيين والاميركيين؟ كيف أكمل حياتي اليوم وأنا بنيت اعمدتها بعيداً من الوطن الذي قذفني بيديه إلى الغربة؟”.
المصدر: النهار