تجمع العشرات من أبناء الجالية اللبنانية فـي «النادي اللبناني الأميركي» بمدينة ديربورن، يوم الثلاثاء الماضي فـي ٢٥ آب (اغسطس)، للتعبير عن تضامنهم ودعمهم للحركة الاحتجاجية لمواطنيهم اللبنانيين الذين نزلوا إلى وسط مدينة بيروت بدعوة من حملة «طلعت ريحتكم» للتظاهر ضد الفساد وأزمة النفايات وسوء الخدمات.
«طلعت ريحتكم» هي حملة غير سياسية، يقودها نشطاء معظمهم من الشباب، وقد تصاعدت حدتها فـي لبنان منذ بدأت أكوام القمامة تتكدس فـي شوارع المدينة على خلفـية انتهاء عقد شركة جمع القمامة «سوكلين»، الشهر الماضي، من دون تأمين البديل .
ورغم أن لبنان يتمتع بالحريات السياسية والفردية بالمقارنة مع بقية دول الشرق الأوسط، لكن القوى الأمنية عمدت الى استخدام القوة بوجه المتظاهرين وباستخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع وصولا الى الضرب وملاحقتهم وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي، خلال التظاهرة الحاشدة التي أقيمت فـي ٢٢ آب (اغسطس) الماضي، وذلك بعد أن قويت شوكة المحتجين واتسعت حملة احتجاجاتهم الشعبية.
ويحكم لبنان نظام طائفـي يقتسم السلطة السياسية وإدارات الدولة، وأوصل البلاد الى أزمة اجتماعية وسياسية حادة مع الشغور الرئاسي وتمديد مجلس النواب لنفسه على الإرادة الشعبية، فـيما تعاني البلاد من تردي الخدمات الأساسية مثل انقطاع الكهرباء والمياه وتفشي الفساد الاداري وصولاً الى أزمة النفايات التي قسمت ظهر البعير.
وعلى ما يبدو فإن أكوام القمامة فـي الشوارع قد أطلقت شرارة غضب الشعب ضد النظام بأكمله، فتم إطلاق اسم الحملة «طلعت ريحتكم» لتتوجه ضد السياسيين والزعماء والطبقة الحاكمة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اشتبكت قوات مكافحة الشغب والشرطة مع المتظاهرين فـي وسط بيروت، كما نصبت الشرطة -حتى فترة وجيزة- جداراً اسمنتياً وسياجاً كهربائياً حول السراي الحكومي الكبير، مقر الحكومة اللبنانية، لتحصينه ضد غضب المواطنين.
وحمل النشطاء الشباب فـي «النادي اللبناني الأميركي» (LAHC) لافتات كتب عليها «أميركا تتضامن مع بيروت». وقال عدنان برازي، ١٧ عاماً، «إنه أمر مروع ان تستغل الحكومة اللبنانية الناس من دون توفـير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وغيرها»، وأضاف «إنهم لا يزيلون القمامة، والآن هم لا يريدون من الشعب أن يحتج».
وأرسل الشاب الأميركي اللبناني رسالة دعم للمتظاهرين فـي بيروت مفادها «استمروا فـي ما تفعلونه، ونحن نعلم أنه من الصعب عليكم الاستمرار تحت ظل الضغوط العديدة، ولكن عليكم الاستمرار فـي النضال.. ونحن ندعمكم ونؤمن بكم».
بدوره، حث علي الخشاب على وحدة المحتجين. وقال متوجهاً للمتظاهرين «لا يهم ما هو دينكم أو أي حزب سياسي تتبعون، عليكم أن تكونوا يداً واحدة لتحقيق أهدافكم». وأضاف الخشاب بالقول «تقع على المغتربين اللبنانيين مسؤولية دعم إخوانهم فـي الوطن».
الطالبة ناي رحال (١٩ عاماً) دعت المحتجين للمحافظة على صلابتهم وخاطبتهم بالقول «لا تستسلموا للعنف ولا تستسلموا للسياسيين».
وأكد حسن حرب، الذي انتقل إلى الولايات المتحدة قبل ٢٠ يوماً بعد أن شهد بداية الاحتجاجات المناهضة للحكومة، أن الحركة الاحتجاجية تتزايد من حيث الأرقام والتأثير، وقال «لهذا السبب كانت الحكومة أكثر وحشية»، وتابع قائلاً «إنها بداية جيدة لتحقيق مستويات معيشية أفضل للبلد بأسره».
حسين هاشم، رئيس لجنة القيادات الشابة فـي النادي، وعد أن ينقل مطالب المحتجين اللبنانيين إلى المشرعين الأميركيين. وأضاف «اننا سوف نقوم بتسليم الرسالة، حتى نتمكن من وضع بعض الضغوط على الحكومة اللبنانية للقيام بما يريده الشعب اللبناني».
وأوضح تشارلي كدادو رئيس تحرير موقع «ليبانيز إيكزامينر» الإلكتروني «أن السياسيين رفضوا الاستماع لمطالب المتظاهرين فـي البداية، ولكنهم الآن يصغون لهم. مسؤولية الحفاظ على لبنان تقع على عاتقنا جميعا.. نحن نضع كل التوجهات السياسية والمعتقدات الدينية جانبا ونقف معاً كوننا لبنانيين. ونحن هنا من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، والحق فـي الاحتجاج السلمي».
رسالة من البلد الأم
وكان بيان لحملة «طلعت ريحتكم» قد دعا الناشطين والمواطنين اللبنانيين فـي جميع أنحاء العالم «لدعم كل جهودنا والاحتجاج أمام السفارات اللبنانية فـي الخارج».
الناشط ماريو رمضان، وهو يعمل محللا للبحوث وقد شارك فـي الاحتجاجات الأخيرة فـي بيروت، حث المغتربين اللبنانيين أيضاً على الوقوف مع المتظاهرين. وقال «يوجد لبنانيون خارج بلادهم بأعداد تفوق أعداد اللبنانيين فـي الداخل. وقد اضطر هؤلاء المغتربون للهجرة من بلادهم لكسب العيش الكريم و/أو ليعيشوا فـي سلام وأمان».
وأردف رمضان فـي حديثٍ مع «صدى الوطن» من بيروت (عبر البريد الإلكتروني) أنه لم ير علماً واحداً أو شعاراً يتعلق بأي حزب سياسي فـي المظاهرات. وأضاف «لقد حاول السياسيون ركوب الموجة للاستفادة من الحركة المطلبية لكنهم ووجهوا بالرفض الصارم من قبل الناس على الأرض. ويمكنني أن أقول بكل ثقة أن الناس فـي الشوارع يتشاركون بشيء واحد، وهو كراهيتهم للفساد والطبقة الحاكمة الفاسدة».
واستطرد رمضان «إن الحملة القمعية ضدّ المحتجين كانت من غير مبرر. إن قوات الأمن أطلقت الرصاص المطاطي بشكل عشوائي على المتظاهرين، فـي حين كانت تقوم باطلاق الرصاص الحي فـي الهواء وكأن قانون الجاذبية لا ينطبق على رصاصهم».
وأضاف أن المتظاهرين قاموا بالدفاع عن أنفسهم عندما قاموا بإلقاء الحجارة وعلب الماء الفارغة على الشرطة. وقال «اذا رميت عليهم القنبلة التي ألقوها علي رغم انَّي لم أفعل شيئاً، لا أكون قد ارتكبت عملاً عدوانياً.. فـي هذه الحالة أنا ببساطة اكون قد قمت بمجرد الدفاع عن نفسي، وأنا لست على استعداد للتخلي عن حقوقي». وعلى الرغم من الحقائق القاتمة للنظام السياسي اللبناني، لا يزال رمضان متفائلاً إزاء مصير هذه الموجة من الاحتجاجات. وأنهى كلامه بالقول «أعمل من أجل النجاح، ولكن حتى لو فشلنا، سوف أرفع رأسي فخرا إذا حاول أن يقدم لوطنه شيئاً مفـيدا بدل المساهمة بشرذمته».
المصدر: صدى الوطن