رأس منظومة الدفاع الجوي شهيداً

اغتالت الاستخبارات الإسرائيلية حسّان اللقيس. خرقٌ قاتل أطاح أحد أهم عقول المقاومة الإسلامية. أدوات التنفيذ تسللت تحت جنح الظلام وضربت «حزب الله» في عُقر داره، فانضم حسان اللقيس إلى لائحة الشهداء القادة في المقاومة

رضوان مرتضى

لم تخترق الرصاصات الخمس رأس حسّان اللقيس وحده، بل اخترقت قلب المقاومة أيضاً. مجرمون رصدوا وتسللوا ثمّ ضربوا رأس منظومة الدفاع الجوي لدى «حزب الله» وأحد أهم عقوله الإلكترونية. تربّصوا به ليلاً ثم باغتوه برصاصات خمس (واحدة منها لم تصبه) أسكتت أنفاسه ليرتفع شهيداً بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله. خرقٌ من فعل «الموساد» وحده، لا نقاش في ذلك، مهما تكن أداة التنفيذ، تكفيرية أو عميلة. جُرأة المنفّذين وحدها فقط أعطت انطباعاً باستحالة أن يكونوا إسرائيليين، بل وكلاء لهم، لكنّ هوية الرجل المُستهدَف تقطع بأن القاتل الأصيل إسرائيلي. الخسارة كبيرة، لكنّها الحرب.
عند منتصف ليل أوّل من أمس، أيقظت «طحشة» غريبة أحد نواطير «مشروع شاهين السكني» في منطقة السان تيريز. سمع الرجل صوت زجاج يتكسّر، تمهّل قليلاً ثم خرج متفقّداً. لم يكن هناك أحد، باستثناء الحاج حسّان الذي كان جالساً وحده خلف مقود سيارته مخضّباً بدمه. جارٌ آخر لـ«الحاج» يذكر أنّه سمع «الطحشة» نفسها، فأطلّ من شرفته ليجد شابين يركضان عبر الحقل الملاصق للمشروع. لم تتبيّن له ملامحهما. لم يُدقّق كثيراً لأنه لم يكن يعلم ما حدث أصلاً، لكنّ حدسه كان ينبئه بأنّ شيئاً مريعاً قد حدث. وسط كل هذا الصمت، قضى الرجل الذي أخطأه الموت مرّات. رحل ككثيرين غيره من رجالات المقاومة. لم يكن أحدٌ من جيرانه يعلم من يكون. استيقظوا فجأة على حقيقة رجل الظلّ ليعرفوا أنّ ذاك الساكن في الطبقة الثانية هو أحد صنّاع الانتصار في تمّوز 2006. مسرح الجريمة لم يختلف عن غيره. حضور عناصر «حزب الله» أوجد فرقاً بسيطاً. عند مدخل المشروع، تسمّر شابٌ عشريني يستجلي هويات الصحفيين الوافدين. ورغم أعداد الصحفيين ورجال الأمن وعناصر الحزب، إلّا أن السكون كان يعمّ المكان. ثلاثة مبانٍ متقابلة تتوزّع أرجاءها كاميرات المراقبة. ليس سهلاً أن تدخل دون أن يراك أحد. شرفاتها تُطل على الباحة الرئيسية. أما المشروع، فمحاطٌ بالمباني من مختلف الجهات، باستثناء زاوية تُطلّ على حقل فيه عدد من الأشجار. وتلك كانت نقطة الضعف القاتلة؛ إذ ينقل شهود عيان أنّ منفذي الجريمة تسللوا عبره لقتل الحاج حسّان ثم غادروا بالطريقة نفسها. المعلومات الأولية تُشير إلى أنّهما رجلان كانا يعلمان بقدوم اللقيس. ربما كمنا له قُرب إحدى السيارات أو في الحقل. وما إن وصلت سيارته، اقترب أحدهما مطلقاً الرصاص من مسدسٍ مزوّدٍ بكاتم صوت على رأس الشهيد ورقبته. لا توجد أي معلومات أمنية بعد، لكن تفريغ محتوى الكاميرات، إن كانت تعمل، قد يكشف هوية المنفذين، ولا سيّما أنّ هناك كاميرا كانت مثبّتة بالضبط حيث ركن الحاج حسّان سيارته.
مجدداً هي الحرب. معركةٌ أمنيةٌ مفتوحة بين جهاز أمن المقاومة واستخبارات العدو الإسرائيلي. وليس جديداً أن تضرب يد الاستخبارات الإسرائيلية جسم المقاومة في عقر دارها، إنّما الجدّة في الكيفية والأسلوب. أما الرجل المُستهدَف، فهو الثاني من حيث الأهمية الذي يُغتال بعد القائد العسكري للتنظيم عماد مغنية. لم تعتد إسرائيل تنفيذ عملية اغتيال بهذا الأسلوب المباشر والجريء. معظم العمليات كانت تُنفَّذ بزرع عبوات ناسفة في سيارات كوادر المقاومة أو على دربٍ يسلكونها باستمرار. وهنا مثار الاستغراب، علماً أنّ عملية الاغتيال هذه هي الأولى ضد حزب الله منذ عام 2008، تاريخ اغتيال عماد مغنية، والأولى في الضاحية الجنوبية منذ اغتيال القيادي غالب عوالي في عام 2004. وفي هذا السياق، تؤكد المعلومات أنّ «الإسرائيلي وحده يعرف حسّان اللقيس وطبيعة عمله». وبناءً عليه، فإنّ «الدلائل كلّها تجزم بأنّ إسرائيل زوّدت المنفذين بالمعلومات عن مكان إقامة وتحرّكات الشهيد». أمّا هويّة المنفذين، فلا تزال مجهولة، علماً أنّ المعلومات لا تستبعد أن يكون «المنفّذون من حملة الفكر التكفيري، باعتبار أنّ العملية في أسلوبها أقرب إلى عملية انتحارية؛ لأنه كان من الممكن افتضاح أمرهم والاشتباك معهم». أمّا مسألة العلاقة بين الموساد والمجموعات، فتردّها المعلومات إلى «تنسيق غير مباشر عبر وكلائها، أو قد يكون مباشراً حتى».
وتشير المعلومات إلى أنّ «إسرائيل استهدفت الشهيد غير مرّة»، كاشفة أنّ القصف الإسرائيلي على أحد المجمّعات السكنية في شارع الحجّاج في الشيّاح خلال حرب تمّوز كان بناءً على معلومات استخبارية بأنّه موجود في أحد هذه المباني، علماً بأنّ نجل حسّان اللقيس استُشهد إلى جانب نحو أربعين شهيداً آخرين قضوا في هذه الغارة في اليوم السابع والعشرين للحرب. ليس هذا فحسب، إذ تكشف المعلومات أنّ السيارة التي لاحقها الطيران الإسرائيلي على أوتوستراد كميل شمعون في محيط منطقة السان تيريز واستهدفها بأكثر من غارة خلال الحرب، كان يقودها الشهيد اللقيس الذي أصيب بجروح في محاولة الاغتيال هذه.
وأعلن حزب الله أمس استشهاد اللقيس، لافتاً إلى أن «القائد الشهيد حسان اللقيس أمضى شبابه وقضى كل عمره في هذه المقاومة منذ أيامها الأولى وحتى ساعات عمره الاخيرة، مجاهداً، مضحياً ومبدعاً وقائداً وعاشقاً للشهادة، وكان أباً لشهيد ارتفع مع كوكبة من الشهداء في عدوان تموز 2006». واتهم الحزب العدو الإسرائيلي بتنفيذ عملية الاغتيال، قائلاً إنه «حاول أن ينال من الشهيد مرات عديدة، وفي أكثر من منطقة، وفشلت محاولاته تلك»، قبل أن تأتي هذه الجريمة.
وفيما صدر على موقع تويتر بيان موقع باسم «لواء أحرار السنّة ــ بعلبك» يتبنى الجريمة، شكّكت مصادر قريبة من حزب الله في صحة هذا البيان، مؤكدة أن هذه المجموعة لا وجود لها.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …