عبدالله قمح
(خــاص): على غير المعهود، كان لمقاتلي جبال القلمون من جيشٍ سوري وحزب الله سهرةً خاصةً في ليلة رأس السنة، ليست كسهرات عامة الناس وحفلات الشواء التي يُغطّي ضبابها السماء، بل ضبابٌ من نوعٍ آخر غطّى أفق المسلحين.
لم يخرج رجال القلمون من ثغورهم ونِقاطهم ومهامهم ليلة رأس السنة للاحتفال على النمط الأمريكي، بل إختاروا ان يكونوا بعيدين عن أهلهم، يحتفلون على طريقتهم ويستقبلون العام الجيش واضعين بصمتهم. انها القلمون فجر 31 – 01، ليلة وداع العام، كلٌ يقفُ خلف سلاحه الذي بات صديقه الأوفى. رفاق السلاح منتشرون في كل النِقاط تحسباً، ليست ليلةً مختلفةً عن سابقاتها ابداً، هنا، رائحة البارود، مشهدية النار والحديد، تميّز السهرة مع حفنة أزيز رصاص تُزيّن السماء وتنطلق لتُسقط الأعداء في جحورهم.
كل الاهالي تقريباً يسهرون في الداخل اللبناني وربما جزء من السوري، منهم من خرج يستمتع في المقاهي أو المطاعم، يتناول طعامه بهدوء ليعيش اللحظة التي تتعانق فيها الأعوام مودّعة، ومنهم من إختار المنزل بصحبة الاصدقاء والعائلة مع حفلة شواءٍ ليستقبل بها ومعهم العام الجديد ملؤه أملٌ بأن يكون أفضل من الذي رحل. هم، كانوا في الجبال، يحمون ظهر من خرج ليسهر، ومن بقي في المنزل مستمتعاً، لم يُديروا ظهورهم للاعداء حشية ان ينقض هؤلاء على من بات يشعر بالامان بفضل تضحياتهم، إمتطوا ظهور مدرعاتهم، أو وضعوا المناظير على أعينهم، يرصدون حركة غريمهم.
تجاوزت الساعة الـ 12:00 بقليل، بتنا في العام الجديد، في الجزء اللبناني المقابل إطلاق، نار في الهواء ومفرقعات تضيء السماء، وفي الميدان القلموني إستقبالٌ مماثلٌ للعيد، ولكن بهدف، يطلق الرصاص نحو الاهداف المرجوة. جرود رأس المعرة كانت نجم تلك السهرة، شبانٌ رابضوا متحضرين لما يُحاك من طرف المسلحين. محاولة تقدمٍ نحو مواقع حزب الله في تلتي “بدرا” و “رفعا” إنطلاقاً من أخاديد جردية تُميّز هذه المنطقة، سعى المسلحون للمباغته، رُصدت الحركة. يمكث المجاهد على ظهر الدبابة مراقباً، بينما يقوم آخر بإطلاق القذائف داخلها، يعاونه آخر في التذخير. إلى جانبهما تقريباً، مجاهدٌ آخر مع منظارٍ حراري، يُراقب مكان سقوط القذائف وإن كانت تُصيب الأهداف، وآخر يجرد الجرود بدقة. في اللاسلكي يصدر صوتٌ يُقدّم الاحداثيات، تتداخل الأصوات فيما بينها، بين من يفيد عن تنفيذه الضربات نحو المصادر المعطاة له، وآخر يخرج من بينهما يُحدّد جهةً رصدها لتقدمٍ طفيف يحصل، لكن ضمن الجرود.
بين هذا وذاك يُرابط شابٌ في إحدى النقاط، عينه مثبّته على منظارٍ حراري لقناصة “الشتاير” يُبحث بين الاخاديد عن هدفٍ مُتحرّك، آخر يمكث خلف القبضة (صاروخ، إما فاغوت، كورنيت، او كونكرس) منتظراً ان تظهر آلية ليرميها بعد ان يحصل على إحداثية أو يرصدها فيرميها بسجيل. تتخالط أصوات القصف، فبين أزيز الرصاص وصدى القذائف لا تضيع البوصلة أبداً، فالاهداف معروفة، طوال نحو 45 دقيقة كانت جرود رأس المعرّة مشتعلة. هدأت بعد حين، نجح الشباب بصد المحاولة مسقطين عدداً لا بأس به. كان الوحيد الغير راضي من ما حصل، من كان يمكث خلف القبضة داعياً ان يكون له جزءٌ من الاستهدافات. إنتهت الجولة ولم يحصل له ما أراد، تمنى أن يكون حظه أفضل في اليوم القادم.
هي يوميات يعيشها المجاهدون بشكلٍ متكرّر في أعالي الجرود والهضاب ممسكين زمام الأمور، حامين لظهر من يجلس في الداخل، او يسهر، هم سبب الأمن المتوفّر.
في خيمةٍ قريبةٍ وبعد جولة المبارزة، يجلس بعضهم في الداخل يحتسون الشاي مشروبهم الفريد في هكذا طقس، يرابط في الخارج زملاء ينتظرون إنتهاء النوبة للتبديل ليجلسوا على طاولة الشاي يتسامرون حول ما حقّقوا الليلة وما يصبون إليه غداً.. انها نبذة عن جزء من حياة شبان، نذروا أنفسهم لحماية غيرهم، وللقصة تتمة.
ملاحظة: التفاصيل المذكورة أعلاه مستقاة عن حديثٍ جرى مع أحد المجاهدين حول القليل مما حصل في تلك الليلة، علّ الرسالةَ تصل.
المصدر: الحدث نيوز