ظلت مدينة ديربورن على مدى السنوات الماضية فـي مرمى سهام الحقد العنصري والإسلاموفوبيا بسبب مزاعم تطبيق الشريعة الاسلامية فـيها ووجود أكبر عدد من الإرهابيين المحتملين حسب اللوائح الحكومية الغامضة التي ساهمت فـي لفت الأنظار الحاقدة والعنصرية الى المدينة، التي أضحت اليوم، ويا للمفارقة، هدفاً للمتطرفـين المعادين للإسلام والأجانب.
ويسود القلق فـي الأوساط الأمنية من أن يتم استهداف المدينة بأعمال انتقامية من قبل متطرفـين باعتبارها رمزاًللعرب والمسلمين الأميركيين، ومن هنا جاء الاهتمام الرسمي الكبير بتغريدة أطلقتها مجندة أميركية سابقة فـي سلاح البحرية طالبت فـيها بضرب ديربورن رداً على هجمات باريس الإرهابية.
وتشير المصادر الأمنية الى إمكانية استهداف منطقة مترو ديترويت من قبل تنظيم «داعش» إسوة بالاعتداءات الأخيرة التي شلت العاصمة الفرنسية وأودت بحياة ١٣٢ شخصاً، ولا يستبعد أن تكون ديربورن هدفاً للتنظيم.
«هناك كمّ هائل من الخوف فـي المدينة الآن»، تقول منال فرحات، وهي من سكان ديربورن، وتضيف «لقد بتنا قلقين من كل شيء. لا نستطيع أن نذهب إلى مطعم أو صالة أراكيل من دون التفكير عدة مرات بالرحلة والشعور بالقلق. أنا وأصدقائي لا نريد أن نذهب إلى أي مكان يحتوي على حشد غفـير من العرب لأننا نخاف ان يقوم أحد المجانين بتفجير المكان بنا».
ويخيم الحذر حالياً على الجالية فـي ديربورن، خصوصاً فـي الأيام التي أعقبت إطلاق التهديدات على الإنترنت التي تستهدف السكان المسلمين الذين يتخوفون من ان يصبحوا اهدافاً محتملة للارهابيين والمهووسين.
ويوم الثلاثاء فـي 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلن مكتب التحقيقات الفـيدرالي (أف بي آي) أنه يقوم بالتحقيق فـي التهديدات التي أطلقت ضد المدينة كردود فعل على هجمات باريس الأسبوع الماضي. وأضاف مكتب التحقيقات فـي ديترويت أنه يقود فريق تدخُّل مشترك «للتحقيق فـي مخاوف السكان المحليين من ان يكونوا عرضة لخطر شديد من قبل العنصريين والمتعصبين الذين يعيشون هنا».
«أف بي آي» بالمرصاد
وقال المكتب فـي بيان أصدره انه «مباشرةً فـي أعقاب الهجمات التي ضربت باريس، قامت الوكالات الامنية المعنية على جميع مستوياتها بالتصدي لموجة من التهديدات الانتقامية المضللة فـي جميع أنحاء البلاد. ورداً على التهديدات الأخيرة المتعلقة بديربورن، قام المكتب الميداني فـي «أف بي آي»-ديترويت، بالتعاون مع مكتب المدعي العام الاميركي لشرق ميشيغن وإدارة شرطة ديربورن لضمان تطبيق القانون وحماية المواطنين الممتثلين للقانون، وردع أولئك الذين يهددونهم».
ديفـيد ب. غيليوس، مدير المكتب الميداني، قال لـ«صدى الوطن» إن الوكالة بنت علاقة متينة مع الجالية العربية فـي منطقة ديترويت، وسوف تستمر فـي معالجة المخاطر التي قد تطال سلامة أبنائها. وأضاف أن مكتب التحقيقات الفدرالية فـي ديترويت سيعمل «بقوة وحزم مع شركائنا المحليين وفـي حكومة الولاية من أجل القيام بالتحقيقات اللازمة وتقديم دعاة العنف للعدالة» مشيراً الى «أولئك الذين يريدون اطلاق التهديدات العنيفة ضد الآخرين رداً على، أو انتقاماً من، الهجمات الارهابية التي وقعت فـي فرنسا الأسبوع الماضي».
وفـي مقابلة مع صحيفة «ديترويت فري برس»، رددت المدعية العامة الفدرالية لشرق ميشيغن، باربرا ماكويد صدى أقوال غيليوس، وأضافت «نريد ردع أي شخص من توجيه تهديدات مضللة باعتبارها رد فعل عنيفاً على هجمات باريس».
ويأتي هذا التحذير الرسمي فـي أعقاب حادثة تهديد موثقة واحدة على الأقل ضد مدينة ديربورن، صدرت عن سارة بيبي، وهي امرأة من مدينة فورت غراشيت، ميشيغن، فـي مطلع الاسبوع الماضي عبر تغريدة لها على حسابها الخاص على «تويتر» (تفاصيل صفحة ٦).
«ديربورن، ميشيغن، لديها أعلى نسبة من عدد السكان المسلمين فـي الولايات المتحدة. دعونا نضرب ذلك المكان اللعين ونرسل رسالة إلى «داعش» بأننا قادمون»، كانت تغريدة سارة بيبي التي اعتذرت عنها بعد يومين.
ومن جانبه، اعلن مكتب ميشيغن لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير-ميشيغن) أنه ينظر أيضاً فـي قصية حادثة حصلت فـي مترو ديترويت لامرأة مسلمة كادت ان تدهسها سيارة رجل كان يقود عربته بالقرب من منزلها، وأخذ يصرخ فـي وجهها مستخدماً كل انواع الشتائم والبذاءات.
ردود فعل انتقامية قد تستهدف ديربورن؟
وقد أدى هذا الارتفاع المحموم فـي الأفعال المدفوعة بفعل كراهية الإسلام والمسلمين والتصريحات المتعصبة فـي وسائل التواصل الاجتماعي فـي الآونة الاخيرة، الى اتخاذ السكان العرب الأميركيين والمسلمين أقصى حالات التأهب والحيطة والحذر.
ووفقاً لشرطة ديربورن، فإنها سيرت دوريات مشددة حول المساجد فـي المدينة خلال الاسبوع الماضي خشية استهدافها من متطرفـين. وكان رئيس البلدية ديربورن جاك أورايلي أيضاً صريحاً فـي كلامه حول ضرورة تأمين الحماية للمدينة «خلال هذا الوقت الحساس»، لكنه أيضاً حذر السكان من «المبالغة فـي ردود الفعل» وقال «كونوا حذرين من المبالغة فـي رد الفعل على الأحداث الخارجة عن نطاق سيطرتنا ولا تجعلوها تمتد وتصبح خطراً علينا وعلى مجتمعنا»، وأردف «عندما تتصرف بعاطفـية فإنك قد تتخذ أسوأ القرارات».
وعلى الرغم من قوة التدخُّل المشتركة بين سلطات البلدية والوكالات الفدرالية لا يزال الخوف يخيم على أوساط قطاعات كبيرة من السكان.
مديرة «اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز» (أي دي سي-ميشيغن)، المحامية فاتنة عبدربه تطرقت الى هذه المخاوف فـي حديثها مع الشبكات التلفزيونية المحلية. وابلغت عبدربه المشاهدين فـي قناة «فوكس نيوز» أن الجالية «أدانت قطعياً كل أعمال الإرهاب، والآن عليها مواجهة ردود الفعل الانتقامية غير العادلة».
وأضافت أن خطاب الكراهية الموجه نحو هذا المجتمع يجعل عدداً من الأماكن معرضة لخطر هجمات انتقامية تستهدف العرب والمسلمين، مثل المراكز الإسلامية، والمتاجر العربية الكبرى، لافتة الى أن «الجالية تشعر بالخوف على سلامتها».
وقال المدير التنفـيذي لرابطة الحقوق المدنية العربية الاميركية نبيه عياد إنه يجب على السكان توخي الحذر لكن «عليهم أن يبقوا فـي بالهم أن السلطات الأمنية تبذل قصارى جهدها للحفاظ على أمن المدينة»، مشيراً الى حوادث سابقة تعاملت معها الأجهزة المحلية والفدرالية وقال «أظن أن السلطات تعرف ما يجب فعله بعد وقوع العديد من الحوادث على المستوى المحلي من قبل. هذه الأنواع من المخاوف ليست شيئاً جديداً على هذه الجالية. أما الجديد فـي الأمر فهو حجم هذه المخاوف المعينة. فهناك مجانين قد يقررون مهاجمة هذا المجتمع بسبب طرقهم الملتوية فـي التفكير».
سامر حجازي – «صدى الوطن»