سماحة العلامة السيد محمد علي فضل الله
الجمعة 17 ذو القعدة 1435هـ الموافق 12 أيلول 2014م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، وَأفَضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَى أَشْرَفِ خَلْقِ اللهِ وأعزِّ المُرسَلينَ سَيِّدِنَا وحَبيبِنَا مُحَمَّدٍ رسولِ اللهِ وعلى آلهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَأصحَابِهِ الأخيَارِ المُنْتَجَبين.
يحدِّثُنا الله سبحانه وتعالى في كتابه المُحكم عن خطاب نبيِّه نوح(ع) لقومه وهو يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ قال: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 62]، ويقول تعالى كذلك في آيةٍ أخرى حكايةً عن نبيٍّهِ هود(ع): أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 68]. وفي آيةٍ ثالثةٍ حكايةً عن نبيِّهِ صالح(ع) بعدما أنزل الله العذاب بقومه الَّذين رفضوا الاستجابةَ لدعوتِه: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 68]
وهذا هو دورُ الأنبياءِ في أقوامِهِم، وهو نُصحُهم باتِّباعِ الحقِّ وتوحيدِ الله لإصلاحِ الواقعِ وتنظيمِهِ وحِفظِه، وبناءِ الحياةِ السليمةِ المستقرَّةِ الوادِعَة، الَّتي تؤمِّنُ الرَّفاهَ للمجتمعِ كلِّهِ انطلاقاً من تعاليمِ الله سبحانه وتعالى.
وكنَّا قد تحدَّثنا في أوقاتٍ سابقةٍ أنَّ الله سبحانه وتعالى خلقَ الإنسانَ وأعطاهُ التصرُّفَ في هذا الكونِ الواسع ِمن حوله، وسخَّرَ له من كلِّ شيء، وأراد منه في مقابلِ ذلكَ أن يعملَ على صيانةِ الأرضِ وإعمارِها، وجعلَ سبحانه وتعالى ذلك هدفًا رئيسًا بين الأهدافِ الأساسيَّةِ للرِّسالاتِ السَّماويَّةِ الَّتي أنزلها على أنبيائهِ ورُسُلِه، والَّتي كانت أعظمُها وخاتمتُها رسالةُ الإسلامِ الحنيفِ المنزَّلةِ على قلبِ نبيِّنا المصطفى(ص).
والله سبحانه وتعالى يريدُ للإنسانِ أن يعيشَ الحياةَ القويمةَ المبتنيةَ على العدلِ وعلى حفظِ الحقوقِ للأفرادِ المتنوِّعينَ وللجماعاتِ المختلفة، بالطريقةِ الَّتي تحفظُ المجتمعاتَ من التفكُّك وتقودُها إلى الأمنِ والسَّلامةِ والارتقاءِ في الدُّنيا والآخرة.
ولذلك نجدُ أنَّ الله سبحانه وتعالى شرَّعَ للنَّاسِ مجموعةً من المفاهيمِ الَّتي تصبُّ في تحقيقِ هذا الهدف، فأراد للإنسانِ أن يكونَ أميناً على نفسِهِ وعلى الآخرين فلا يقعُ في ارتكابِ الخيانة، في أيِّ مجالٍ وأيِّ قضيَّةٍ وأيِّ حالة. وأراد له أيضًا أن يكونَ ناصحاً لنفسهِ ولأقاربهِ ومعارفهِ من حوله، بل لمجتمعهِ كلِّهِ وأمَّتهِ كلِّها فضلاً عن نُصحِهِ لربِّهِ ولدينهِ ودنياهِ وآخرته. ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله(ص) قال: إنَّ أعظمَ النَّاس منزلةً عندَ الله يومَ القيامةِ أمشاهُم في أرضِه بالنَّصيحةِ لخَلقِه. ولذلك كان الانبياءُ أعظمَ النَّاسِ منزلةً لأنَّهم أخلصوا النَّصيحةَ للنَّاس.
وهكذا نلاحظُ كيف ركَّزَ الإسلامُ على مفهومِ النَّصيحةِ الَّذي يُشيعُ أجواءَ المحبَّةِ والإخلاصِ في المجتمعات، وهو ما يُسهِمُ بدورهِ في ازدهارِ المجتمعاتِ وإعمارِ الأرض. وقد جاء في بعضِ الأحاديثِ عن أميرِ المؤمنين(ع) قال: النَّصيحةُ تُثمرُ الودّ، وفي حديثٍ آخر عنه(ع): النُّصحُ يثمرُ المحبَّة، لأنَّ النُّصحَ يعني تمنِّي الخيرَ للآخرين، وهو بذلكَ يخلقُ حالةً من المحبَّةِ بين المتناصِحِين، وإلى ازدهار المجتمعاتِ وحُسنِ انتظامِها، وبالتَّالي إلى إعمارها كما أرادَ الله سبحانه وتعالى.
وهذا هو ما جعلَ الرِّسالةَ تركِّزُ على النُّصح، وجعلَ النبيَّ(ص) يتابعُ التَّحذير من مُخالفةِ النَّصيحة، لكلِّ النَّاس، سيِّما للمؤمنين من أبناء المجتمع. فقد جاء في الحديث القدسيِّ عن الله عزَّ وجل: أحَبُّ ما تعبَّدَ به عبدي النُّصح لي ومن الواضح والبديهيّ أنَّ الله سبحانه ليس بحاجةٍ إلى من ينصحه، لأنَّهُ العالمُ بكلِّ ظواهرِ الأشياءِ وخفاياها، ممَّا يوحي بأنَّ المرادَ من نُصح العبد لربِّه، هو سلامةُ عقيدتِه، وإيمانُه به توحيداً وعبادة،ً والطاعةُ له فيما فيه صلاحُهُ وسدادُه.
ولذلك نجدُ في بعض الأحاديثِ أنَّ الدِّينَ هو النَّصيحة، فعن رسول الله(ص) أنَّه قال لأصحابه: الدِّينُ النَّصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال(ص): لله -والنَّصيحة له تعالى هي إخلاصُ الإيمانِ والتَّوحيد-، ولكتابِهِ -والنَّصيحةُ لكتابِ الله هي العملُ بهِ وعدمُ إهمالِه-، ولرسولِه –والنَّصيحةُ للرَّسول هي في طاعتِهِ وحمايةِ الرِّسالةِ الَّتي قدَّم حياتَهُ في تبليغها-، ولأئمَّةِ المسلمين وعامَّتهم، والنَّصيحةُ لأئمَّةِ المسلمين هي في طاعةِ المَعصومينَ الأربعةَ عشرَ مِنهُم وفي توجيه النَّقدِ البنَّاءِ لغيرِ المعصومينَ من الزُّعماءِ والحكَّامِ لتصحيحِ مسيرةِ الدَّولةِ الإسلاميَّة، وأمَّا النَّصيحةُ لعامَّةِ المسلمينَ فهي في توجيهِ النُّصحِ والمشورةِ لهم في ما يُصلحُ أمورَهم وشؤونَهُم كافَّةً.
وعن رسول الله(ص) أيضًا في حديثٍ مشابِه: من يضمنُ لي خمساً أضمنُ له الجنَّة، النَّصيحةَ لله عزَّ وجلَّ والنَّصيحةَ لرسوله، والَّنصيحةَ لكتاب الله، والنصيحةَ لدين الله، والنصيحةَ لجماعة المسلمين. وجزاءُ هذه النَّصيحة الجنَّة، وهو جزاءٌ عظيمٌ لمهمَّةٍ جليلة.
وعنه (ص): يجبُ للمؤمنِ على المؤمنِ النُّصحُ لهُ في المشهدِ والمغيبِ -أي في رعايةِ شؤونهِ وردِّ الأذى عنهُ وإسدائِهِ المشورة الصَّالحة، وعنه(ص): ما أخلصَ من لم ينصَح، أي أنَّ علامةَ محبَّةِ الآخرينَ لك، هو أن يجهدَ الرأيَ في ما فيه صلاحُك في الدِّينِ والدُّنيا، وعنه(ص): عليكم بالنُّصح في خلقِهِ فلن تلقَوْهُ _ يعني الله تعالى_ بعملٍ أفضلَ منه، وعن علي(ع): لينصحَ الرَّجلُ منكم أخاهُ نصيحتَهُ لنفسِهِ –أي مثلَ نصيحتِهِ لنفسِه-، وعنه(ع) في رواية: من استنصحَهُ أخوهُ المؤمنُ فلم ينصحْهُ، سلبَهُ الله رأيَه. فيصيرُ سفيهًا لا يقدِرُ على تمييز الخيرِ من الشَّرّ.
وفي مقابلِ ذلك وردَت الأحاديثُ في الحثِّ على قبولِ النَّصيحة، فعن أمير المؤمنين(ع) قال: يا أيُّها النَّاسُ اقبلوا النَّصيحةَ ممَّن نصحَكَم وتلقَّوها بالطاعةِ ممَّن حمَلَها إليكم، واعلموا أنَّ الله سبحانه لم يمدح من القلوبِ إلا أوعاها للحكمة ومن النَّاس إلا أسرعُهُم إلى الحقِّ. وعنه(ع) قال: من أَمَرَكَ بإصلاحِ نفسِك، فهو أحقُّ من تطيعُه، وعن الباقر(ع) قال: اتَّبع من يُبكيكَ وهو لك ناصح، ولا تتَّبع من يُضحِكُكَ وهو لك غَاشٌّ.
ويحدِّثُنَا الإمام الصادق(ع) أنَّ علياً كان عبداً ناصحاً لله عزَّ وجلَّ فنصَحه، وأحبَّ اللهَ عزَّ وجلَّ فأحبَّه، لأنَّ عليًّا(ع) ذاب في ذاتِ الله تعالى وأعطاهُ كلَّ وجودِهِ وطاقتِه، وذلك ما أشارَ إليهِ الرسول(ص) في خيبر: لأعطينَّ الرايةَ غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَه ويحبُّهُ اللهُ ورسولُه، كرارٌ غيرُ فرار، لا يرجع حتَّى يفتحَ الله على يديه. لأنَّ عليًّا كان أخلصَ النَّاس بعد رسول الله(ص) في نصيحتِهِ لله عزَّ وجل وفي تكريسِ حياتِهِ في سبيلِ الدَّعوة، ولهذا أحبَّه اللهُ ورسولُه.
وقد ورَدَ عن الإمام عليّ(ع) أنَّه قال: أحبَّ لأخيكَ ما تحبُّ لنفسِك واكرَه له ما تَكرَه لها، وهكذا إذا كنتَ تحبُّ لنفسك النُّصح وإخلاص النُّصح من الآخرين، فإنَّ عليك أن تُخلصَ النُّصحَ لهم كما تُحبُّ ذلك لنفسك.
لقد أراد الإسلامُ للمسلمينَ، أن يكونوا لُحمةً واحدة، يتفاعل كلٌّ منهم بقضايا غيرِه، فيتفاعل معها ويهتمُّ بها، ليُمكِنَ من خلال ذلك أن يكونوا قوةً لا تُخترق ممَّن يمثّلون العداءَ لها، وهذا ما دعانا إليه رسول الله(ص) في قوله: من أصبح ولم يهتمَّ بأمورِ المسلمينَ فليس بمسلم، ما يفرض عليه الاهتمامُ بما يَعرُضُ لإخوانهِ من تحدِّياتٍ ومشاكل، في كلِّ المجالات الخاصَّة والعامَّة، إذ بذلك يمثِّلُ الإسلام في منهجهِ ومفاهيمهِ وإلَّا فالإسلام منه براء، حتَّى لو أدَّى الواجبات مثلَ الصَّلاة والصَّوم والحجِّ وغيرها من التكليفات الشَّرعيَّة، فإنَّ الإسلام ليس عبادةً فحسب بل هو عبادةٌ فاعلة، مؤثِّرة في منهج الإنسان المسلم وحياته.
وهذا ما يوحي به إلينا رسول الله(ص) حين يقول: مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتراحُمِهِم كمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِد إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائرُ الجَسدِ بالسَّهرِ والحمى، فقد أراد للمسلمين أن يشعروا بالألم، الَّذي يعاني منه إخوانُهُم المسلمون، في كلِّ قضاياهم وهمومِهِم الخاصَّة والعامَّة، وقد ورد عنه(ص) أنَّه قال: من لا يهتمُّ بأمرِ المسلمين فليس منهم، ومن لم يُصبِح ويُمسِ ناصحًا لله ولرسولِه ولكتابه ولإمامِه ولعامَّة المسلمين فليس منهم.
إنَّ رسول الله(ص) يقول لنا أنَّ علينا أن نشعر بالمسؤوليَّة تُجاه كافَّة قضايا المسلمين سواءً منها الفكريَّة والعقائديَّة والشرعيَّة والمعيشيَّة الحياتيَّة فنسعىُ في النُّصح لهم وحفظهم، وهذه مسؤوليَّةٌ لا تخصُّ فئة محدَّدة من النَّاس كالعُلماء أو أهل الحكم والسِّياسة أو بعض الجهات الأخرى، بل هي تشملُ المسلمين جميعِهم، كلٌّ منهم بحسب قدراته وطاقته.
أيُّها الإخوة المؤمنون.
لقد دعانا الإسلام من خلال القرآن والسُّنَّة ومنهج النبي والأئمَّة(ع) إلى الاهتمام بالمؤمنين وقضاياهم من أجل تسديدهم نحو الرَّأي السليم الَّذي يُقوِّمُ واقعَهم وطريقةَ حياتَهم، فيشعر كلُّ منَّا بالمسؤوليَّة عن بقيَّة المسلمين للاهتمام بهم والرفع من مستوياتهم العلميَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والمعيشيَّة، ولعلَّنا أحوج ما يكون إلى ذلك في هذا الأيام الصَّعبة الَّتي يحفلُ واقع منطقتنا فيها بالأحداث والتطورات المتلاحقة الَّتي تطالُ الأمَّةَ كلَّها، فقد أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن إنشاء تحالفٍ دوليٍّ تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، ويضمُّ أمريكا وعدداً من الدُّول الإقليميَّة والغربيَّة، وذلك بهدف مواجهة تمدُّد الخطر التكفيريِّ في العراق وسوريا وغيرها من دُولِ المنطقة.
وعندما ننظرُ إلى كلِّ التَّجارُب الَّتي خاضتها أمريكا، نجدُ أنَّها لا تتعلَّم من دروس الماضي، وتُمعن في سياساتها الاستكباريَّة، حيث مرّت ذكرى أحداث 11 أيلول الَّتي شكَّلت صدمةً كبيرةً لها، وأوقعت عددًا كبيرًا من الضَّحايا الأمريكيِّين، ممَّا دفعها لإعلان ما أسمته في حينه أيضًا “الحرب على الإرهاب”.
لكنَّ الحروب الأمريكيَّة، غالبًا ما كانت تأتي بنتائج عكسيَّة، سواءً في أفغانستان أو في العراق. فقد ازداد توسُّع جماعة “طالبان” رغم الغزو الغربيّ لأفغانستان، في حين جَلَب الاحتلال الأمريكيّ للعراق كلَّ الجماعات التكفيريّة المتطرّفة الَّتي كان يدَّعي محاربتها، وها هي اليومَ تُعيد الكَرَّة، حيثُ باتَت تهدِّدُ من جديدٍ مصالحَ أمريكا في العراق.
ومن المُلاحظ، أنَّ الدُّولَ الَّتي أقامَت هذا الحلف، هي نفسُ الدُّول الَّتي دعمت ورَعَت الإرهاب، في الماضي البعيد والقريب، فأمريكا كانت المخطِّط لاستخدام هذه الجماعات، وتركيا أفسَحت المجال لدخول المتطرِّفين من خلال فتح حدودها لهم، كما قدَّمت دول عربيَّة لهم كلَّ الدَّعم الماليِّ والعسكريِّ، وشكَّلت مؤسَّسَاتُها الدينيَّة منبعاً لهذا الفكر التكفيريّ الإجراميّ، البعيد كلَّ البعد عن حقيقة الإسلام.
إنَّ أمريكا لا تُريدُ القضاء على هذه الظَّاهرة لأنَّها تستفيد منها. لكنَّها تُريدُ من خلال هذا التَّحالف، أن تضبطها بما يخدم مشاريعها، لتقوم باستثمارها بالشَّكل المناسب لمصالحها، بما يجعلُها وسيلةَ ضغطٍ فاعلة لابتزاز دول المنطقة، كما أنَّها تريد من خلال التَّحالف، محاصرة إيران سياسيًّا عبر استبعاد دورها، كما تسعى لتوجيهه ضد سوريا، ليكون مقدّمةً لتشديد وتيرة الحرب عليها، لما تُمثِّله من دورٍ في محور المقاومة. وهنا تبرز ازداوجيَّة المعاييرِ الأمريكيَّة، ففي سوريا ما زالت تدعم الجماعات الإرهابيَّة، بهدف إسقاط النِّظام، أمَّا في العراق فهي تدّعي الحشد في مواجهته. والحقيقة أنَّ أمريكا لا يهمُّها إلّا حفظ مصالحها وتنفيذُ مشاريعها، الَّتي تقوم على تفتيت وإضعاف دول المنطقة، لتبقى في دائرة الخضوع والتبعيّة لها..
أما “إسرائيل” فتستفيد أيضاً من هذه الحرب، لأنها تُغَطّي على إرهابها واحتلالها، كما تُغيِّب قضية فلسطين الَّتي لا تريد لها أن تكون أولويَّةً للشُّعوب العربيَّة والإسلاميَّة.. الَّتي باتت غارقةً في انقساماتها المذهبيَّة، وغافلةً عن القضايا الكبرى للأمَّة، فمن هو الَّذي يفكر بقضيَّة فلسطين اليوم، في خضمِّ هذا السُعار المذهبيِّ في المنطقة؟
أمَّا لبنان، فيبقى غير بعيد عن أزمات المحيط، حيث بات في قلب الخطر التكفيريِّ الَّذي يتهدَّدُ أمنَه واستقرارَه، بما يوجب الاستنفار من أجل ضربه والقضاء عليه. لكنَّ الأخطر، أن تعمل جهات داخليَّة وإقليميَّة من أجل الإبقاء على خطر هذه الجماعات، حيث تدخّلت على مستوى الحكومة، لمنع الجيش من حسم معركة عرسال، وبسبب ذلك استطاع المجرمون خطف جنود الجيش اللبنانيِّ والمغادرة دون أي عائق، وباتوا يستغلُّون هذا الأمر لزعزعة الأوضاع في الدَّاخل اللُّبنانيّ وإثارةِ النَّعراتِ والعصبيّاتِ المذهبيَّة.
إنَّ المطلوب اليوم وقفةُ وعيٍ وقوّة، أمام تنامي الخطر التكفيريِّ، الَّذي يسعى إلى تأجيج الفتنة في الدَّاخل، ليتوحَّد جميع الفرقاء في مواجهته، ويتمَّ إعطاءُ الغطاءِ الكامل للجيش للقضاء على هذه القوى، بعيداً عن أيَّةِ حساباتٍ سياسيَّةٍ أو فئويَّة ضيِّقة.. حتَّى نستطيع من خلال ذلك، أن نحميَ لبنان ونحميَ مستقبلَه من كلِّ أخطار وجرائم هذه الجماعات، وحتى لا يضيع البلد، في متاهات العصبيّات والأحقاد والانقسامات.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105]
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين