خطبة الجمعة للسيد جعفر

التوكّل على الله يخفّف حالات القلق عند الإنسان والمجتمع
التاريخ: ٦/٩/٢٠١٣ / 30 شوّال 1434هـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

تحدّث سماحة السيّد جعفر فضل الله في خطبة الجمعة الأولى عن التوكّل، فقال: “إنّ التوكّل له حبلان؛ حبل بيد الإنسان، أن يعمل كلّ ما عليه من خلال الأسباب الطبيعيّة الّتي أودعها الله في هذه الحياة، وحبل بيد الله سبحانه الّذي هو مسبّب هذه الأسباب، وهو الّذي أودع في الحياة كلّ قوانينها، وهو الّذي بلطفه ورعايته، يحرّك للإنسان كلّ الأسباب الخفيّة الّتي غابت عن باله أو الّتي لا يملك أمرها”.

وتابع سماحته: “إذا أردت أن أكون متوكّلاً، فعليّ أن أعمل كلّ ما بوسعي لكي أحصل على النّتيجة، ثمّ أتوكّل على الله لكي يهيّئ لي الأسباب الخفيّة، ويذلّل أمامي الصّعاب الّتي تحول دون تحقيق الهدف”.

أضاف: “إنّ التوكّل يراد من خلاله أن نخفّف من حالة القلق الّتي نعيشها في حياتنا، ومن ذلك القلق الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو الأمنيّ والعسكريّ، وعلينا أن لا نجلس لنستغرق في حالات القلق الّتي تجعل الإنسان يسقط نفسيّاً، لأنّ ذلك أحد أهمّ الأسلحة الّتي يوجّهها الآخرون إلى شعوبنا ومجتمعاتنا؛ أن نسقط بسبب الخوف، ليصبح سهلاً عليهم أن يحرّكوا خططهم ضدّنا دون حتّى أن يطلقوا طلقةً واحدة”.

وختم سماحته بحديث عن الرّسول(ص) يقول فيه: “من أحبَّ أن يكون أقوى النَّاس، فليتوكَّل على الله”.

الخطبة الثّانية

مرّة جديدةً، تدقّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة طبول الحرب، غير عابئةٍ بإمكانيّة امتداد نارها لتشعل المنطقة برمَّتها. ومع كلّ أسفٍ، من العرب والمسلمين من يصفّق لها؛ بل يموّل حربها، ويقدّم لها قواعده العسكريّة لكي تضرب أرضاً عربيّة ومسلمةً أخرى، في دليلٍ آخرَ على فقرٍ حادّ ـ على الأقلّ ـ في النخوة العربيّة والإحساس بالأخوّة الإسلاميّة.

سوريا: طريق استلاب المنطقة

ولقد أصبحَ واضحاً للكثيرين، أنّ المسألة في سوريا لم تعد مسألة نظامٍ ومعارضةٍ، بل هي بوّابة المخطّطات القديمة لاستلاب المنطقة برمّتها، عبر تدميرها وإدخالها في الفوضى المجنونة والسّيطرة على مقدّراتها وثرواتها.

وقد نحتاج إلى التّذكير دائماً بما تعلّمناه من تجاربنا القريبة والبعيدة، أنّ سياسة الكيل بمكيالين هي سياسة أمريكيّة وغربيّة عريقة؛ فلإسرائيل كلّ الحماية في مجازرها وتدميرها واستخدامها الأسلحة المحظورة دوليّاً، وفي تمدّدها الاستيطاني وفي ترسانتها النوويّة، وكلّ المواقف في مجلس الأمن ضدّ أيّ إدانة ولو كانت كلاميّةً…

وفي المقابل، سُلّمت الشعوب العربيّة وبلادهم وثرواتهم إلى موظّفين لدى أجهزة المخابرات، برتبة رؤساء وأمراء وملوك، حكموا شعوبهم بالحديد والنّار، ولهؤلاء كلّ الحماية في قتل مواطنيهم وإرهابهم وإفقارهم وسجنهم… وفي موازاة ذلك، لم يُسمح للشّعوب بأن تثور على حكّامها، أو أن تغيِّر أنظمتها من الداخل بما يحافظ على عناصر قوّتها، وتخلع عنها مواقع الاستبداد والقهر…

في التّجربة، وبالأرقام: كان صدّام أحد هؤلاء؛ حارب إيران، ولمّا انتهت ورقتُه، أغري باحتلال الكويت من قبل السّفيرة الأمريكيّة في العراق، غلاسبي، وشُنَّت عليه الحربُ، حتَّى إذا ثار العراقيّون عليه لتغيير النّظام من الداخل، زُوّدت طائراته بالوقود، ومنح الإذن الأمريكيّ لتقصف طائراته النّاس في الشوارع… لأنّ الإدارة الأمريكيّة تريد تغييراً على قياس مصالحها، لا على قياس مصالح الشّعب هناك.. وحُرّر العراق من صدّام، ودُمّر عن سابق إصرار وتصميم؛ ليس صحيحاً أنّ الجيش الأمريكيّ وقع في أخطاء في تدمير الجيش العراقيّ، فها هو يكرّر الخطّة ذاتها لعمليّة ضرب مكوّنات الوحدة السياسيّة لسوريا، ولكن بطريقة أخرى.

التوحّد ضدّ العدوان

يقولون لنا إنّ قانون الولايات المتّحدة الأمريكيّة لا يبيح استخدام القوّة إلا في حالات: منها تعرّضها للعدوان أو الخطر المباشر، ومنها ما يرتبط بالطّاقة العالميّة، أي النّفط والغاز، ومنها أمن إسرائيل…

وعليه، فالمشكلة الحقيقيَّة الّتي نعاني بسببها مع السياسة الاستكباريّة الأمريكيّة والغربيّة، هي أنَّنا امتلكنا ـ كمسلمين ـ تجارب مستقلّة عن الغرب؛ الأولى هي تجربة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، الّتي امتلكت القدرات العلميّة ـ وهنا بيت القصيد ـ على تحقيق الاكتفاء الذّاتي والاستقلال التامّ عن الارتهان في حاجاتها للغرب المستكبر، والتّجربة الثّانية، هي تجربة المقاومة الإسلاميّة في لبنان وفلسطين… لأنّ هاتين التّجربتين مانعٌ حقيقيّ للغرب المستكبر عن تحقيق سيطرته على مقدّرات المنطقة، وعن تحقيق أمن الكيان الصّهيوني الغاصب… أمام ما نجده من ارتهانٍ لإرادات كثير من أنظمة المنطقة للمصالح الأمريكيّة والغربيّة.

ومن هنا، لا نملك أن نثق بهذا الغرب، ونهيبُ بشعوبنا أن تصحو من كبوتها، لتتعالى فوق كلّ حالات الانقسام السياسيّة والمذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة، لنقف جميعاً وقفةَ رجلٍ واحدٍ في رفض العدوان الأمريكيّ والغربيّ على سوريا؛ لأنّه حلقة متّصلة بما قبلها، وبما يليها في مسلسل تفتيت المنطقة، ونزع كلّ أوراق القوّة عنها.

إنّ المطلوب هو صوتٌ عربيّ وإسلاميّ، يعبُر شوارع القاهرة ودمشق وبيروت وسائر العواصم، رفضاً للعدوان، وإعلاناً لبدء ربيعٍ عربيّ حقيقيّ في مواجهة طواغيت الخارج، كما في مواجهة طواغيت الدّاخل؛ لأنّ مسألة الحرّية لا تتجزّأ؛ بل هي هنا آكدُ وأوضح؛ ولأنّ مسألة رفض الطّغيان لا تتجزّأ أيضاً؛ بل هي هنا أظهر وأبقى.

وإنّنا في هذا المجال، نثمِّن الدّعوة الّتي أطلقها بابا الفاتيكان، في الصّوم ورفع الصّلوات في مواجهة العدوان، وهي دعوةٌ تأتي في مواجهة المستوى الرّهيب من التصحّر في كلّ معنى للقيم الإنسانيّة والروحيّة في حركة السياسة الدّوليّة وصراع المحاور وجشع المال والسّلطة.

رسالة لأتباع الاستكبار

وإلى الّذين باعوا أنفسهم للشّيطان، وركنوا إلى الاستكبار العالميّ، نقول لهم ما قاله الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النّساء: 138-139]..

ولشعوبنا المستضعفة والمستهدفة نقول ما قاله الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 173ـ 175].

وإلى الّذين يرون في العدوان الخارجيّ فرصةً لتغيير أنظمتهم حتّى أعطوا زمامهم للشّيطان الأكبر، أمريكا، نقول لهم ما قاله الله في كتابه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم: 22].

وأخيراً، إنّنا نقول للفئات الّتي رفعت راية الجهاد في سوريا والعراق: إذا كنتم صادقين في عداوتكم للولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل؛ فها هي قد أتت بكلكلها إليكم، وهي تعلن عداوتَها لمن تحاربون، ولمن جرّبتموهم في ساحة القتال ضدّها في العراق، وإن كان الكثيرون لا يعترفون، وفي جنوب لبنان وفلسطين؛ فإذا كنتم تعتبرون هؤلاء أعداءً، فعدوّ عدوّك صديق، وصديق عدوّك عدوّ؛ فلماذا لا تتوحّد وجهة البندقيّة نحو الاحتلال الأمريكي؛ أمّ أنكم استقلتم من كلّ معنىً للمنطق، وجعلتم من أنفسكم ألعوبة بأيدٍ مرتهنةٍ في أصلها للاستكبار وأعوانه!

وها هي إسرائيل أعلنت الحرب على المسجد الأقصى واستباحته ودنّسته، فأعلنوا الجهاد لتحرير فلسطين، فإنّ القرآن قد قدّس هذه الحرب، وجعلها قبلة قضايا الأمَّة، ورمزاً من رموز وحدتها.

20130907-093237.jpg

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …