بري «القلق»: المرونة مطلوبة.. والحل بسلّة متكاملة

عماد مرمل –

اقتحم الهاجس الامني عين التينة وأقام فيها، على وقع التفجيرات المتنقلة التي ضربت الضاحية الجنوبية وطرابلس. وإذا كان الرئيس نبيه بري قد أطفأ مؤخرا محركاته، إلا ان «راداراته» ظلت تعمل بطاقتها القصوى، وهي التقطت ولا تزال إشارات سلبية حول مسار الوضع اللبناني في ظل الفراغ المؤسساتي، والحريق الإقليمي.
ولأن بري يدرك حساسية الواقع اللبناني الهش، فهو سارع في أعقاب جريمة طرابلس الى إجراء مروحة واسعة من الاتصالات مع «القيادات السنية»، لقطع الطريق على أي فتنة وتأكيد التضامن الوطني في مواجهتها.
وعُلم ان بري دعا من تكلم معهم الى تفويت الفرصة على الساعين الى إحداث فتنة مذهبية، مشددا على ضرورة التضامن في هذه المرحلة الدقيقة والتحلي بأعلى قدر ممكن من الحكمة، ومنبها الى ان يدا واحدة تقف خلف تفجيري طرابلس وتفجير الرويس.
وليس أدل على حراجة اللحظة الراهنة وخطورتها من القرار الصعب الذي اتخذه بري بإرجاء المهرجان الشعبي الذي كان سيقام في النبطية بحضوره، لمناسبة ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، وذلك في سابقة تحصل للمرة الاولى منذ إخفاء الصدر.
وفي حيثيات القرار الاضطراري، عُلم ان نقاشا جرى على المستوى القيادي في حركة أمل حول إمكان إرجاء المهرجان، بعد متفجرتي بئر العبد والرويس، لكن كفة الإبقاء عليه في موعده ومكانه ظلت هي الراجحة، الى ان وقع انفجارا طرابلس. حينها، نوقش الامر مرة أخرى في هيئة الرئاسة في الحركة، وكان توافق على التأجيل، ليس خوفا من حصول اعتداء في مكان الاحتفال الذي وُضعت له خطة احترازية محكمة، وإنما تفاديا لوقوع حوادث وإشكالات على الطرقات التي ستسلكها الوفود الشعبية الآتية من البقاع وبيروت والتي ستمر حكما في مناطق تحمل لونا سياسيا ومذهبيا مغايرا، وسط حالة متوقعة من الانفعال لدى العابرين والمقيمين، ما يهدد بتداعيات أمنية خطيرة في هذا التوقيت الساخن.
وقد كان بري حريصا على الاستفسار من مساعديه عن ردات الفعل في الاوساط الحركية والشعبية على قرار التأجيل ومدى تفهمها أسبابه الموجبة.
ويقول بري لـ«السفير» انه «لو أصرّ على حصول المهرجان، لكان سيبدو كمن يخوض مغامرة غير محسوبة، ويساهم في تأجيج التوتر الداخلي وزيادة المخاطر، في حين ان دوري وواجبي ان أساهم في التهدئة وسحب فتائل الفتنة التي تطل برأسها من هنا وهناك»، لافتا الانتباه الى ان «أحدا لا يمكنه ان يضمن عدم حدوث صدامات على الطرقات التي ستسلكها المواكب المتجهة الى النبطية من مختلف المناطق، إما بفعل الانفعال السائد هذه الأيام، وإما بفعل اختراقات أمنية من قبل جهات ساعية لإحداث الفوضى وإشعال نار الاقتتال الداخلي».
وبينما ينتظر كثيرون ما سيقوله بري في خطاب 31 آب من عين التينة، يرى رئيس المجلس النيابي «ان التفجيرات الدامية، التي استهدفت الضاحية وطرابلس، يجب ان تدفع نحو إفراز شيء ما، يخرق الجدار السميك للمأزق الداخلي الراهن». ويضيف: «المطلوب في هذا الظرف الدقيق مرونة متبادلة من كل الاطراف، بحيث لا يبقى كل فريق متمسكا بموقفه، والحل برأيي لا يكون بالمفرق وإنما ضمن سلة متكاملة».
ويعتبر بري ان «الوضع الامني مقلق للغاية، والمشهد السياسي ليس أفضل حالا»، مبديا خشيته «من ان تواصل اليد التي ارتكبت جريمتي الضاحية وطرابلس، زرع المتفجرات في مناطق شيعية وسنية على وجه الخصوص، لتكرار محاولات استدراج المسلمين الى الفتنة، بعدما تعثرت حتى الآن، بفضل المسؤولية الوطنية التي تحلت بها معظم القوى الداخلية في مواجهة تداعيات السيارات المفخخة المتنقلة».
وينبه بري الى انه «يراد من مشروع الفتنة ان نخسر أنفسنا وفلسطين، وان نتفرغ لصراع مذهبي من شأنه ان يأكل الاخضر واليابس إذا أًطلق له العنان»، قائلا: «هناك من يريد إشعال حرب الألف عام بين الشيعة والسنة، فحذار من ان نتطوع لنكون وقودها وحطبها».
لكن.. هل يمكن ان يدفع الخوف من الفتنة بالفعل الى قرارات جريئة، تلجم الانحدار نحو الهاوية؟
تأمل أوساط مطلعة ان تفرض تفجيرات الضاحية وطرابلس على القوى الداخلية مراجعة حساباتها، وتبادل التنازلات، لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان، إلا إنها تخشى مفعولا سلبيا للتهديدات الغربية بتوجيه ضربة عسكرية الى سوريا، لأنها قد تغذّي أوهام بعض الاطراف اللبنانية التي ربما لا تكون مستعجلة لأي تسوية، على قاعدة ان ضربة من هذا النوع ستقلب المعادلتين الإقليمية والداخلية رأسا على عقب، فيعود الرئيس سعد الحريري الى لبنان على صهوة حصان أبيض، ويستعيد «الأمانة» من الرئيس المكلف تمام سلام، وتتشكل حكومة «14 آذار».
وتتمنى الاوساط ألا يجرف موج هذه الرهانات أحدا، لان الشراكة والتعايش والتوافق والتوازن هي ثوابت راسخة، لا مفر منها، مهما تبدلت موازين القوى المحلية والخارجية، كما دلت التجارب.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …