اللهو القلبي

{لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} بكل زخارف الدنيا وزينتها، وبكل مواقع الشهوات ومراتعها، وبكل مظاهر القوة وأدواتها، فهي مشغولة بذلك كله، مبهورة بالألوان اللامعة، بالصور الساحرة، في حالة من اللهو المتحرك في نبضاتها، المهتز في مشاعرها، حيث لا تطمئن إلى هدوء الفكر، وصفاء الروح، وإشراقة الوجدان، لتكتشف، من خلال ذلك كله، أن وراء كل هذه الأوضاع اللاهية الباهرة عمقاً للحياة، بما تختزنه من مشاكل ومتاعب وبلايا وآلام، مما قد ينسف كل هذا الواقع الذي يسترخون فيه، ويطمئنون إليه، فلو تصوره الناس بحقيقته لابتعدوا عن الاستسلام لما يستسلمون له الآن، وأعرضوا عن اللهو الذي يأخذون به.
ولعل مشكلة اللهو القلبي أخطر من مشكلة اللهو الجسدي، لأنه يستنزف كل عناصر الإحساس الجدي في عمق الذات، بينما يتحرك اللهو الجسدي ليشغل العين واليد واللسان..، وبذلك يبتعد الإنسان عن خط الالتزام في حركة الواقع من خلال الرسالة.
وقد أبعدهم هذا اللهو عن الارتباط بالحقيقة الرسالية، ولكنه لم يبعدهم عن الشعور بالخطر الذي قد يتهددهم، نتيجة ما يثيره الرسول في أفكارهم من إيمان يهزّ معتقداتهم، وهداية تصيب عقول أبنائهم بالانحراف كما يتصورون. ولِذلك كانوا يحاولون أن يرسموا الخطط، ويدرسوا الأساليب التي تنقذ ساحتهم من ذلك كله. وهذا ما أثارته الفقرة التالية من الآية {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أنفسهم بالكفر والانحراف، وائتمروا فيما بينهم في أجواء المناجاة التي كانوا يتداولون فيها الشعار المثير الذي يطرحونه في الناس لإبعادهم عن خط الرسول ويحذرون به بعضهم البعض من الانجذاب إليه، مما يمكن أن يتأثروا به من دعوته، وذلك في الدائرة السرية من أحاديثهم.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …