ليس سليمان فرنجية بصراحته المعهودة، وحده من يسأل العماد ميشال عون «هل أن الفدرالية تخدم المسيحيين في لبنان؟». ثمة كثيرون غيره سألوا ويسألون ويتساءلون لماذا إعادة طرح هذا المشروع الجديد ـ القديم في لحظة انفعال، وهم يعرفون سلفا أنه غير قابل للحياة، في بلد أصغر من أن «يفدرل» وأكبر من أن تتقاسمه الطوائف. فلبنان في علم الجغرافيا تبلغ مساحته أقل من ربع مساحة محافظة حمص، حتى لا نقول عشر أي ولاية أميركية أو روسية.
لقد مرت على لبنان حرب أهلية ضروس استمرت خمسة عشر عاما، وما زال البلد يحصد نتائجها حتى اليوم، وطرحت خلالها مشاريع تقسيمية تحت غطاء «الفدرلة»، وتبين أنها مشاريع غير قابلة للحياة، فعاد وتوحد البلد ولو «على زغل»، تحت راية اتفاق الطائف. وليس سرا ان الغالبية العظمى من اللبنانيين تختلف على قضايا كثيرة، لكنها تتفق على رفض فاحشتين كبيرتين: عودة الحرب والتقسيم. ولا شك أن «التيار الوطني الحر» وأنصاره من هذه الغالبية، خاصة الجنرال عون الذي دفع ويدفع ثمن تفاهمات أقل ما يقال فيها أنها وطنية وحدوية جامعة. وعليه لن ينظر أحد الى هذه الأفكار إلا على أساس أنها لحظة انفعال ستذهب أصداؤها أدراج الرياح.
كان يمكن للبنانيين البحث في هذا الموضوع لو توفرت للبنان ظروف مختلفة، أهمها المساحة الجغرافية الواسعة والتعدد العرقي وعجز الدولة المركزية عن احتواء أطرافه. أما أن يكون لبنان محكوما بالطوائف ونظامها السياسي، فهذا يعني بلا تردد «فدرالية الطوائف»، فهل تخدم هذه الفدرالية المسيحيين خاصة، واللبنانيين عامة؟
إن التمعن في التوزيع الطائفي في لبنان كفيل باستنتاج عواقب الفدرالية. فالمسيحيون يشكلون غالبية عظمى في منطقة جبل لبنان، خاصة المتن وكسرون وجبيل والبترون وزغرتا وبشري، لكنهم يتوزعون كأقليات في المناطق الأخرى، شمالا وبقاعا وجنوبا. فما هو مصير هؤلاء في «ولاية اسلامية» غير التهجير أو العيش على نظام شبيه بالذميّة؟ وهل يعتقد الحالمون بولاية مسيحية في لبنان أنها ستسلم أو تعقد صلحا مع «دولة الخلافة الاسلامية» التي تطرق أبواب المنطقة؟ أم أنهم يتوهمون بأن الغرب سيحمي ويضمن سلامة «مونت كارلو» الجديدة على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط؟
هذه هي الفدرالية في لبنان لمن يهمه الأمر. وواهم من يعتقد أنها خشبة خلاص للمسيحيين الذين يعتقدون أن حقوقهم مهدورة. نعم من حقهم في نظام طائفي أن يناضلوا لاستعادة هذه الحقوق. ولطالما كانت حجة المظلوم أقوى من حجة الظالم، مع العلم أن الظالم والمظلوم في لبنان ليسا طائفة، بل شعب بأكمله يعاني الظلم جراء هذا النظام السياسي السيّئ، ولا خلاص من ذلك مهما طال الزمن، إلا بنظام وطني يقوم على العدل والمساواة والمواطنة، ويكون مدخله قانون انتخابي يعتمد النسبية المتدرجة. عندها فقط يستعيد المسيحيون حقوقهم. فالأوطان لا تقوم على ظالم ومظلوم، حتى لو كان الجميع من طائفة واحدة أو عرق واحد. وتلك هي النماذج في الساحة العربية من المحيط الى الخليج. فهل من يتعظ؟
وعود على بدء. يستحق سليمان فرنجية الصريح والجريء كل التحية. والعهد بالجنرال عون أن يسحب هذا الموضوع نهائيا من التداول.
المصدر: السفير
الوسومسياسة
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …