“احترام العمامة، المس بالعمائم، عمامة فاسدة، عمامة عميلة، يلبس عمامة رسول الله، العمامة المقدسة… إلخ”، هي عبارات تخرج في النقاش، مع كل تصادم فكري او سياسي مع المؤسسات الدينية الإسلامية، ومع كل انتقاد يوجه لشيخ او سيّد معمم، لتكون بمثابة قمع يفرض صوابية رأي على آخر بإسم الدين ومقدساته، خاصة بالنسبة للأشخاص المتدينين المؤمنين بالدين الإسلامي، المختلفين بالرأي مع مؤسساته، تأتي هذه العبارات بمثابة “الردع المقدس” لأي نقد أو اختلاف.
أحدث جدال في هذه القضية، كان بالأمس بالتزامن مع التحرك التضامني مع الأم فاطمة حمزة المسجونة بسبب رفضها تنفيذ قرار المحكمة الجعفرية التي سلبتها حضانة ولدها، حيث عمد مناصرو المحكمة الجعفرية إلى اتهام المتضامنين مع فاطمة بإهانة العمائم، والتصويب عليها، مهولين على المشاركين في التحرك بمخاطر التعرض لقدسية العمامة وموقع رجال الدين. فما هي العمامة؟ وهل تحمل قدسية حقيقية في الدين الإسلامي توجب الإنصياع لرأي صاحب العمامة وتعصمه عن الخطأ وتعفيه من النقد؟!
لتبيان رأي الدين في هذا الأمر، تواصل موقع “الجديد” مع إمام مسجد “الإمام السجاد”، والأستاذ في المعهد الشرعي الإسلامي الشيخ ياسر عودة، الذي أكد أن “العمامة ليست الا قطعة من القماش، تحمل رمزية دينية، وليس قدسية، اكتسبت عبر العصور وبدأت في العصر العباسي مع تمدن العرب لتمييز اصحاب الدراسات الدينية ورجال الدين عن غيرهم، وقد رسختها الدولة العثمانية كعلامة فارقة لرجال الدين. تعتمد اليوم للإشارة إلى أن من يرتديها يحمل علماً دينياً لخدمة الإنسان والمجتمع وليس لإرهاقه بالمقدسات المبتدعة، وعليه فإن العمامة لا تمثل أي قيمة دينية في الإسلام إلا لصاحبها، الذي يفرض من خلال سلوكه وممارسته إحترامه وتالياً احترام عمامته، العمامة ليست فوق النقد، بل لا يوجد عندنا أي أحد فوق النقد، إلا ما قدسه الله من كتابه ونبيه وأهل بيته، وحتى هؤلاء يمكن مناقشة ما وصل عنهم بأدب، ولنا في أمير المؤمنين علي بن ابي طالب قدوة في هذا الجانب، حينما كان يحثّ أصحابه على انتقاده.”
وتعليقاً على الشعار الذي أطلق أمس خلال الإعتصام أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، (الفساد الفساد جوا جوا العمامات)، أشار الشيخ عودة إلى “أن الفساد الحقيقي ليس في العمامات بل موجود داخل كل مؤسسات الدولة اللبنانية ومن ضمنها المؤسسات الدينية وهنا المشكلة بأن نغطي هذا الفساد من خلال السلطة السياسية او من خلال الرشاوى داخل هذه المؤسسات، وهذه مشكلة العمامات التي تنصاع للضغوطات او الرشاوى واصحاب النفوذ.”
وختم الشيخ عودة مشيراً إلى أنه “شخصياً ينتقد أصحاب العمائم من مشايخ وحتى المراجع الكبار”.
يذكر أن وضع العمامة فوق الرأس ليس محصوراً بالإسلام، ففي الهند وباكستان يلبس السيخ العمائم، كذلك غيرهم من الملل والأديان، وقد سبق ارتداؤها العصر الإسلامي عند العرب حتى قيل “اختصّت العرب بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشِّعر ديوانها”، وكان يلبسها عوام الناس ولا زال هذا الأمر قائماً في السودان مثلاً وفي عُمان واليمن والصعيد في مصر وغيرها من المجتمعات العربية والمشرقية، ولا تحمل اي رمزية أكثر من كونها زيّ تقليدي معتمد.
ولمزيد من البحث في رمزية العمامة وظاهرة تقديسها، كان لنا تواصل مع الأستاذ في الحوزة العلمية، علي حمام، الذي أوضح أن الحوزويون يختلفون في نظرتهم للعمامة، فبعضهم يرى أنها لباس التقوى ويعمل بذلك من خلالها، و البعض الآخر يتعامل معها على أنها طريقة وصولٍ إلى السلطة بشتى أشكالها وبالتالي طموح مادي، فيما هي بالحقيقة زيّ رسمي يعرف عن صاحبها وعن عمله وعلمه لا أكثر، حتى أنها ليست بمفردها مؤشراً على العلم الوفير ولا دلالة على التقوى، و هذه أمورٌ معروفة.”
إلا أن استثمار العمامة لأغراض التقديس والقداسة والتعالي عن النقد والسؤال والهروب وعدم الاعتراف بالخطأ والحصانة العرفية و فرض الإحترام والتقدير، هي أمور محل خلاف وخلط حول مفهوم العمامة التي تمثل “زي الانتساب إلى المؤسسة الدينية” إلى مفهوم “انا الله على الأرض “. فإذا كنا متفقين على عدم العصمة، ولم يكن هذا الزي (العمامة) علامةً على العصمة فلماذا نمنع الناس من انتقاد أصحابه؟ علينا أن نعترف بمحبة أن وضع الله تحت العمائم يعني أن هذا الموجود لن يكون إلهاً.”
وختم حمام، من حق اي أحد أن يعتبر الزي الديني علامة تمثيلٍ للدين أو المذهب ضمن فهم معين لهذا الدين أو لذلك المذهب و لكن ليس من حقه أن يكمِّم أفواه الناس عندما تنتقد بعض المسلكيات التي يقوم بها بعض المشايخ، لأنه لم يخرج من مشكلة ربط البشر بالله، أصحاب العمائم بشر و البشر كثيرو الخطأ، هذه حقيقة لا يمكن التغافل عنها.”
بالنتيجة، فإن العمامة كقبعة الطباخ، او زي المتخرج الجامعي، وكثوب القضاة والمحامين، أو غيرها من الأزياء التي تميز صاحبها لناحية تخصصه ومجال عمله. العمامة تماماً كالقبعة التي تحمل رمزاً يشير للمؤسسة التي ينتمي لها صاحبها.