#العطاء_ثقافة
العطاء والذي يتظهر بمعاني أخرى كالجود والكرم والإفاضة هو قيمة إلهية قبل أن تكون إنسانية تعبر عن رفعة وتجلٍ سواءً جاءت من الإله أو من المخلوقات التي شاء لها الرحيم الكريم أن تسمو لمقامه
أما الله فكل فعله عطاء لأنه الكامل المطلق في كل ما يفعل. فالله يعطي الحياة بكلها والرزق بكله والولدان بكلهم وكل ما اشتهى البشر في الدنيا وما لم يشتهوا مما وعدهم جل وعلا في جنات خلده. الله يعطي بلا مقابل فهو يمن على المؤمن والكافر ويجود على الإنسان والحيوان والحجر وكيف لا وهو المطلق بكله
أما البشر الهائمون في هذه الدنيا وما فيها فتغلب عليهم صفة العبث واللهو في كل ما يفعلون ولا سيما القيم السامية التي أوجدها المبدع الخالق ومنها العطاء
وإنه ولو استثنينا الأمومة التي جعلها الله غريزة ان لم نقل مخلوقاً بذاته وزرعها في مختلف الكائنات الحية، فإن عطاء البشر المزاجي هو على الأغلب نزوات تتراوح دوافعها بين السذاجة والغفلة في جانب وطلب الشهرة والصيت في جانب آخر والإستعباد في جانب حتى يخرج المسمون معطون عن الأصل السامي لعبادة العطاء إلى رذيلة شراء الذمم والتجارة ولتنم عن جوهر قائم على البخل وعبادة الذات
وهكذا يصبح في ميزان البشر من أعطى على مدى حياته إما أعطى بفعل غريزي كما يعطي الكلب الأمان والرفق وإما أبلها ساذجاً مغفلاً إنما أعطى لعدم معرفته بما يعطي لا بل تبذيراً لا إرادياً
وفي معرض هذا الحديث لا بد من ذكر القيمة المقابلة للعطاء وهي الأخذ
الآخذون المتلقون الجالسون الذي يتلقون على مدى الزمن وهم دائماً غير راضين ولا مقرين قَانِتِين وغير معترفين فهؤلاء هم من فهموا الدنيا حق فهمها والذين عرفوا من أين تؤكل الكتف. هؤلاء سيبقون لك الصديق والحبيب والطبيب والقريب حتى تأتي وتطلب في مقابل العطاء عطاء!
مطالبة البشر بعطاء في مقابل عطاء هي بمثابة نسف لكل المنظومة البشرية القائمة على نظرية الأنانية النرجسية والقائلة بأنا ولا أحد. ويصبح المطالَب برد الجميل خائناً عدواً دنيئاً مرتكباً للرذيلة وقد وجب تدميره وإزاحته من الوجود لما بات يهدده من قيم المجتمع والإنسانية
بالمحصلة لا فضيلة لكريم على كرمه في الدنيا ومن آمن بالآخرة وعمل لها فليعطِ قدر مايشاء والا فليقبض يده على ما عنده. ما حدا بيستاهل والقانون لا يحمي المغفلين!
نضال بيضون