هي الشهادة وقيمها. عنوان طغى على مشهد الاحتفال الذي نظمه “حزب الله” في مجمع سيد الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية، تكريما للشهداء الذين سقطوا في عدوان القنيطرة. مشهد قد يكون اختصر في مساحة المجمع من حيث الشكل، أما من ناحية المضمون فقد أعطى رسما واضحا لمحور المقاومة الممتد من طهران مرورا بالعراق إلى سوريا ثم فلسطين فلبنان.
وقد كان كافيا، وإن لم يكن خافيا أن يعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله تلك الحدود، عندما ظهر عبر شاشة تلفزيونية كبيرة كعادته عندما يكون الخطر محدقا، ليقول صراحة: “إن امتزاج الدم الإيراني واللبناني على أرض القنيطرة يعبر عن وحدة القضية ووحدة المعركة”. كلمات من شأنها أن تنذر الداخل والخارج بأن القضية الأساس بالنسبة للمقاومة في لبنان كانت ولا تزال فلسطين، حتى وإن غاب العرب “بدولهم وجامعتهم وسلاحهم عنها. فنحن لن نترك ولن ننسى الشعب الفلسطيني”، قال نصرالله.
ولأن المناسبة جليلة نظمت لتكريم شهداء القنيطرة، فقد كان بديهيا أن يبدأ السيد نصرالله خطابه بالحديث عن مزايا الشهداء ودورهم، وعن الألم لفقدان الأحبة، وذلك قبل أن يدخل في تفاصيل العدوان إذ أشار إلى أن الشهداء سقطوا غيلة في هجوم نفذته مروحيات إسرائيلية في وضح النهار بناء على قرار اتخذ على أعلى المستويات في قيادة العدو الصهيوني، مشيرا إلى أن العدو ارتبك بعد تنفيذ العملية وربما تفاجأ لوجود عميد إيراني في الموكب الذي كان يتألف من سيارتين مدنيتين، وعلى هذا الأساس لم يتبنى الهجوم بسرعة بل عاش فترة من التخبط “وحتى الآن لا إعلان رسمي واضح من قبل العدو حول مسؤوليته عن عدوان القنيطرة”.
ولفت نصر الله الانتباه إلى أن العدو انتظر لأيام يترقب كيف ومتى سيكون رد “حزب الله” وقد اتخذ كافة إجراءاته الاحترازية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، غير أن كل ما قام به لم يمنع رد المقاومة الذي جاء مباغتا ومفاجئا له.
وإذ شدد نصرالله على أن “المقاومة نفذت عمليتها في مزارع شبعا في ذروة الاستنفار الإسرائيلي”، موضحا أنه “رغم استنفاره ورغم كل إمكاناته عجز جيش العدو عن فهم ما جرى من أول العملية حتى آخرها”، كان المعادلة الجديدة التي أوجدتها المقاومة في إطار ردودها على الاعتداءات الإسرائيلية، وقد لخص أمين عام “حزب الله” تلك المعادل بالعبارات: “قتلونا في وضح النهار فقتلناهم في وضحه، في الساعة الحادية والنصف فرددنا في نفس التوقيت. قصفوا لنا سيارتين فدمرنا سيارتين وحبة مسك. هاجمونا بالصواريخ فهاجمناهم بالصواريخ، سقط للمقاومة ستة شهداء والعميد الإيراني فسقط لهم قتلى وجرحى”.
وعلى هامش هذه المعادلة الجديدة تحدث السيد نصرالله عن الفوارق بين العدوان الإسرائيلي في القنيطرة ورد المقاومة في مزارع شبعا، مشيرا إلى فارقين بين العمليتين، الأول: أن الإسرائيلي جبان وقام بغدر رجال المقاومة أما رجالنا فقد هاجموه من الأمام لأنهم رجال. الثاني: هم لم يجرؤوا على تبني العملية أما المقاومة فقد تبنت العملية في بيان رقم واحد بعد حدوثها مباشرة.
ولم ينس نصرالله أن يرد على كل الذين قاموا بالتحليل وإطلاق المواقف والتصريحات بعد عملية شبعا، وما ساقوه في هذا الإطار من اتهامات للمقاومة بتنفيذها لأجندات إقليمية، فشدد في هذا الإطار على أن لا شيء في لبنان على الإطلاق له علاقة بالملف النووي الإيراني، فالمقاومة مستقلة في قرارها وفي خياراتها، لكن أصدقاءها لا يتمنون لها الذل، وعلى ذلك كان الخيار وجوب معاقبة العدو الصهيوني على جريمته فكان الرد وكانت عملية مزارع شبعا “وكنا مستعدين لأسوأ الاحتمالات وللذهاب إلى أبعد ما يمكن أن يتصوره أحد”.
وللداعين للالتزام بالقرار الدولي “1701” توجه السيد إليهم بالقول: ” إسرائيل لا تعترف بالقرار 1701 الذي يقدسه البعض من خلال آلاف الخروقات وهي تقصف وتغتال كما يحلو لها ويبقى لبنان بدائرة الخطر”.
وفي مقابل محور المقاومة، أعطى نصرالله صورة للمعسكر المقابل مصنفا، في هذا الإطار، المجموعات المسلحة المتواجدة على حدود الجولان بأنها حليفة للعدو الإسرائيلي، وقال: “جبهة النصرة التي هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة، هي جيش لحد جديد وإن رفع الراية الإسلامية”.
إلى ذلك، توجه نصرالله إلى الإسرائيليين ومن معهم بالقول: “يجب أن تفهموا أن هذه المقاومة ليست مردوعة، هي حكيمة وليست مردوعة، وهناك فرق بين الحكمة والخوف. إذا كنتم تظنون أن المقاومة مردوعة وتخشى الحرب أقول لكم: فلتأخذوا علما، نحن لا نخاف الحرب ولا نخشاها ولا نتردد وسنواجهها إذا فرضت علينا وسننتصر بها”.
وقبل أن يختم كلمته كان الموقف الأبرز للمقاومة بإعلان نصرالله عن معادلة جديدة، واضعا العدو الصهيوني في حال جديدة من الارتباك إذ قال: “نحن لم يعد يعنينا شيء اسمه قواعد اشتباك ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين، من حقنا الشرعي والقانوني أن نواجه العدوان في أي زمان ومكان. من الآن فصاعدا أي كادر من كوادر “حزب الله” يقتل غيلة سنحمل المسؤولية للإسرائيلي وسنعتبر أن من حقنا أن نرد في أي زمان ومكان وبالطريقة التي نراها مناسبة”. وباختصار أضاف السيد: “جربتونا فلا تعيدوها”.
المصدر: السفير
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …