دائماً كان اليمن نقطة ساخنة في خريطة العالم ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة فيها. وتميزت الحروب هناك بطبيعة دينية لأنه ينقسم المسلمون فيه إلى أهل السنة (52%) والشيعة (46%).
علاوة على ذلك يحتل اليمن موقعا جيوسياسيا واستراتيجيا هاما مما يسبب الاهتمام الكبير لدى اللاعبين العالميين في هذا البلد فتضمن السيطرة على الساحل اليمني الإشراف على مضيق باب المندب الذي يعتبر المجرى الرئيسي للتجارة في المنطقة. وتمر عبر هذا المضيق طرق المواصلات من أوروبا إلى آسيا الشرقية والجنوبية وأستراليا حيث تتدفق البضائع والأموال الضخمة.
بالإضافة إلى ذلك يمر عبر المضيق حوالي 3.8 مليون برميل من النفط يوميا من دول الخليج. علما أن حصار المواصلات وإغلاق مضيق باب المندب يؤديان إلى الخسائر المالية البالغة وإضرار بأسواق النفط العالمية وارتفاع أسعار “الذهب الأسود”.
خلال مدة طويلة سيطرت على المضيق الولايات المتحدة الأمريكية التي لن تريد أن تنازل أمام حركة أنصار الله الحوثيين الموالية لإيران والتي اكتسبت القوة الكبيرة في السنوات الأخيرة. وبهذا السبب بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في منطقة الخليج العربي مسبقا تحضيراتها للعملية العسكرية ضد اليمن.
قالت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية إن الحوثيين قد استولوا على الوثائق السرية لمكتب الأمن الوطني اليمني التي احتوت على معلومات مفصلة عن عمليات الاستخبارات الأمريكية في جنوب شبه الجزيرة العربية وتضم هذه الوثائق أسماء وكلاء الاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه”، بالإضافة إلى خطط لإجراء عمليات مكافحة الإرهاب.
هذا وزاد في السنوات الأخيرة حليف للولايات المتحدة الأمريكية المملكة العربية السعودية ميزانيتها العسكرية التي بلغت 64.4 مليار دولار عام 2014 حيث خصص الجزء الأكبر منها لزيادة القوة العسكرية وشراء الأنواع الحديثة من الأسلحة والمعدات.
بيد أن حركة أنصار الله أبدت غاية جديتها بينما قالت لهذا صدد وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، ناقلا عن مصدر في اليمن إن ممثل الجماعة قد سمى العملية الدولية “بالعدوان” وأضاف أن قوات الحوثيين بدأت تحضيراتها لإغلاق مضيق باب المندب باستخدام الصواريخ أرض–بحر ردا على ذلك.
عموما إغلاق المضيق ليس هو أمرا صعبا يكفيه إغراق عدة ناقلات النفط بصواريخ أو المدافع، كما لا يستبعد أن الحوثيين بحوزتهم ألغام بحرية، غير انه يمكن بدلا من ذلك تفجير براميل النفط وحتى مدّ براميل فارغة مربوطة بالبعض على عرض المضيق.
فإغلاق المضيق يمكن أن يشل الشبكة اللوجيستية العالمية بإنزال الضرر الاقتصادي والبيئي الضخم مما سيؤثر على أسعار النفط الخام فورا ليس بسبب التبطؤ في تنقل الأحجام الكبيرة من النفط التفافا لإفريقيا بل بسبب المخاطر الجيوسياسية الكبيرة.
في الواقع من غير المعروف قدرة الحوثيين على إغلاق المضيق، ولكن تطلق بيانهم يد لتنظيمات إرهابية في المنطقة مثلا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يستطع لحصار المضيق وهذه الفكرة ليست الجديدة له لأن في عام 2010 نائب زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أبو سفيان الأزدي صرح بنوايا مقاتلون لفرض السيطرة على مضيق باب المندب.
تجدر الإشارة إلى أن الدولة الإسلامية اهتمت بحصار تنقل النفط في هذه المنطقة بسبب ارتفاع أسعار النفط. وفي حال وجود التسعيرات النفطية الحالية تربح الدولة الإسلامية أقل المال الممكن من تهريب النفط. وحسب المعلومات الواردة من وسائل الإعلام العراقية باعت الدولة الإسلامية النفط بسعر منخفض جدا – 25 دولار لبرميل من النفط، لكن من أجل أن يكون النفط مرغوبا بهذا السعر يجب أن يبلغ سعره في سوق أكثر من 70-80 دولار.
كل هذا من جهة، ومن جهة أخرى يضر هذا الأمر الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا وحتى السعودية. في شهر تشرين الثاني عام 2014 داع زعيم تنظيم الدولة الإسلامية إلى هجوم على المملكة العربية السعودية التي اعتبرها “رأس الأفعى ومعقل الداء” التي استسلمت أمام الصليبيين واليهود. كما صرح أبو بكر البغدادي قائلا “…نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة.. إلى بلاد الحرمين واليمن وإلى مصر وليبيا والجزائر”.
ويزداد الموقف صعوبةً بتقاعس هيئة الأمم المتحدة التي وُضعت أمام واقع العدوان والتدخل الخارجي ضد اليمن وضعفها في اتخاذ أية قرارات رامية إلى وقف الأعمال القتالية إلا أن تواطؤ واضح لعدوان خارجي تشير إلى إفلاس الهيئة الدولية مما يهدد بانهيار نظام القانون الدولي.