الحكومة الإنتحارية

عماد مرمل
أظهرت المناورة السياسية بالذخيرة الحية حول فرص تمرير حكومة أمر واقع، لا تنال الثقة النيابية، ان حكومة من هذا النوع ستكون «انتحارية»، باعتبارها ستولد مزنرة بحزام سياسي ناسف، من شأنه ان يفجرها لحظة تشكيلها.
وقد تبين ان مشكلة «الامر الواقع» ليست مع قوى «8 آذار» فقط، بل أيضا مع وليد جنبلاط الذي يجمعه «حلف الوسطية» مع الرئيس ميشال سليمان، وبالتالي فان سليمان بات مطالبا بأن يقنع أولا حليفه المفترض بحكومة من خارج معادلة 9-9-6، قبل ان يحاول تسويقها لدى الآخرين.
ويبدو ان سليمان أخفق حتى الآن في إقناع جنبلاط بتغطية حكومة الامر الواقع، كما اتضح من نتائج اللقاء الاخير بين الرجلين، بل يمكن القول ان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» لا يزال «ثابتا» على موقفه الداعي الى تشكيل حكومة توافقية ومتوازنة، تضم الجميع، وهو موقف أراح بطبيعة الحال قوى «8 آذار» التي تخوض المواجهة السياسية انطلاقا من خط الدفاع الاول في المختارة، بدل ان تدور المعركة فوق «أرضها» حصرا.
وبمعزل عن تعقيدات النقاش الدستوري ومدى شرعية او عدم شرعية الحكومة التي لا تنال الثقة النيابية، يشدد مصدر بارز في «8 آذار» على ان الأكيد هو ان حكومة كهذه ستفتقر، قبل ان يجف حبر مرسومها، الى الحصانة الميثاقية التي تقوم عليها فلسفة وجود لبنان أصلا، منبها الى انه فور صدور مرسوم التأليف، من دون توافق مسبق، سيستقيل الوزراء الشيعة والدروز، ونصف الوزراء المسيحيين، وبالتالي لن تحصل عملية تسلم وتسليم، فهل يمكن لـ«بقايا» حكومة في هذه الحال ان تتولى زمام الامور؟
ويعتبر المصدر البارز في «8 آذار» انه لا يصح ان ينهي الرئيس سليمان عهده بهذا السيناريو الدرامي وبهذه القفزة في المجهول، بعدما ظل يحاول ان يقدم نفسه طيلة فترة ولايته بصورة الرجل المتوازن والمتزن، متسائلا عما إذا كان يجوز ان يخرج الرئيس من القصر الجمهوري طرفا ومغامرا، وهو الذي دخل اليه توافقيا ووسطيا.
ويرى المصدر ان سليمان لم يكن مضطرا في الاساس الى خوض معركة حكومة الامر الواقع شخصيا، ووضع نفسه في الواجهة والمواجهة على خطوط التماس الامامية، أو كما يقال في «بوز المدفع»، في حين ان مصلحته وموقعه على حد سواء يتطلبان منه النأي بالنفس عن مثل هذه الطروحات، لاسيما ان الرئيس المكلف هو المعني بان يقدم تشكيلة حكومية الى رئيس الجمهورية، الذي يرفضها او يقبلها تبعا لمقتضيات المصلحة الوطنية.
ويلفت المصدر الانتباه الى انه كان من الافضل للرئيس سليمان ان يلجأ في ملف تشكيل الحكومة الى تحييد رئاسة الجمهورية عن المعادلات غير التوافقية والوفاقية، بحيث تبقى الرئاسة فوق الصراعات الداخلية وعابرة للاصطفافات الفئوية، لضمان بقائها عامل جمع في زمن الانقسام.
ويشير المصدر الى ان المحاذير ذاتها تنطبق على الرئيس المكلف تمام سلام الذي يملك «بورتريه» الشخصية المعتدلة والحوارية، في حين ان حكومة الامر الواقع المقترحة هي أسرع وصفة ليتحول الى شخصية فئوية وصدامية تتعارض مع تاريخ هذه العائلة السياسية.
ويرجح المصدر البارز في «8 آذار» ان يكون التلويح بحكومة الأمر الواقع مندرجا في سياق شد الحبال وعض الاصابع في المرحلة الفاصلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية، لتحسين شروط التفاوض حول خيار التمديد، معربا عن اعتقاده بان سليمان يريد ان يبلغ من يعنيه الامر ان سقوط احتمال التمديد سيترافق مع سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المحسوبة على «حزب الله»، في رسالة فحواها «إما نبقى معا وإما نرحل معا».
ويأمل المصدر في الا يتسرع سليمان وسلام في تأليف حكومة أمر واقع خلال وقت قصير، لأن من شأن ذلك ان يقطع الطريق على المخارج والتسويات، مشيرا الى ان رئيس الجمهورية لا يزال يملك «نظريا» متسعا من الوقت يمتد حتى 15 أيار المقبل للدفع في اتجاه تشكيل حكومة توافقية، قبل ان يسلك الدروب الوعرة.
وإذ يقر المصدر البارز في «8 آذار» بإمكانية ان يختار رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وزراء لا يتأثرون بالقوى السياسية الاساسية في الطوائف، وبالتالي لا يبادرون الى الاستقالة، يلفت الانتباه الى ان الحكومة قد تكون عندها ميثاقية، لكنها بالتأكيد ستسبب أزمة وطنية من العيار الثقيل.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …