قطع «حزب الله» الشك باليقين وحسم البلبلة التي اثيرت في شأن حصول أو عدم حصول غارة إسرائيلية على الحدود اللبنانية ـــ السورية، فأصدر بيانا أمس، أكد فيه حدوث الغارة التي استهدفت موقعا للحزب على مقربة من منطقة جنتا في البقاع، نافيا وقوع أي خسائر بشرية في صفوفه، ومؤكداً أن المقاومة ستختار الزمان والمكان المناسبين وكذلك الوسيلة المناسبة للرد عليه.
لكن، لماذا انتظر الحزب أكثر من 24 ساعة ليقول كلمته، وماذا بعد خروجه عن صمته، وهل يشكل هذا البيان «نهاية المطاف»، أم بداية لمرحلة انتظار الرد المفترض؟
وفق المعلومات، فإن الحزب تمهّل في إصدار بيانه الى حين استكمال تجميع المعطيات الميدانية المتعلقة بالغارة، ومن ثم قراءة أبعادها ودراسة خيارات التعامل معها، لاسيما ان الحزب يحرص في مثل هذه الحالات على عدم التصرف بانفعال أو تسرّع، وهو يأخذ في العادة كل الوقت الذي يحتاجه لاتخاذ الموقف الملائم.
هذا من حيث الشكل، أما في المضمون فإن المقرّبين من «حزب الله» يؤكدون أن الغارة كانت هزيلة على مستوى النتائج العسكرية، لكنها خطيرة على مستوى محاولة تغيير قواعد الاشتباك فوق الأراضي اللبنانية، وهذا ما لن يسمح به الحزب «الذي ليس بوارد القبول بتكريس معادلة إسرائيلية جديدة قوامها استثمار الصراع في سوريا وانخراط الحزب فيه لتوجيه ضربات الى المقاومة في لبنان من دون توقع أي رد عليها».
ويؤكد المطلعون على مناخ النقاشات التي خاضتها قيادة الحزب بعد الغارة أن هناك قراراً حاسما وحازما بمنع الإخلال بـ«قواعد التوازن» التي أرستها المقاومة خلال مراحل الصراع مع العدو، وأن الحزب يعني ما يقول حين يؤكد أنه سيرد في الزمان والمكان المناسبين وبالوسيلة المناسبة على الغارة الاسرائيلية، حتى لو وقعت على مقربة من الحدود ولم تسبب خسائر بشرية، لكن الرد سيكون على ساعته ووفق توقيته.
ويتعامل الحزب مع العدوان الأخير باعتباره يندرج في إطار «الحساب المفتوح» بينه وبين اسرائيل التي لا تخفي قلقها من إمكانية امتلاك المقاومة قدرات كاسرة للتوازن، وبالتالي فإن الحزب لا يضع الغارة في سياق تطورات الحرب السورية، لاسيما انها طالت هدفا داخل الاراضي اللبنانية، وإن يكن بعض المعارضة السورية قد اوحى بإمكانية توظيفها لصالحه ولحساباته العسكرية.
وبطبيعة الحال، يطرح العدوان الاسرائيلي وبيان «حزب الله» التساؤلات الآتية:
ـــ لماذا اختار العدو الاسرائيلي هدفا هامشيا لا يعدو كونه نقطة مهملة للمقاومة أخلتها منذ قرابة ثلاث سنوات، وأي دلالة أو رسالة خلف قراره بضرب مركز يقع على مقربة من الحدود مع سوريا؟
ـــ لماذا قرّر حزب الله أن يضع نفسه في الواجهة ويخرج ببيان رتّب عليه التزامات، علما أنه كان بإمكانه الاستفادة من الالتباس الجغرافي للموقع المستهدف (ملاصق للحدود) حتى يتجاهل الأمر ويتركه أسير الغموض؟
ـــ هل يمكن أن تتدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة بين العدو الاسرائيلي والمقاومة، أم أن مراكز القرار على الضفتين ليست بصدد الانزلاق الى مغامرة من هذا النوع؟
ـــ هل تتصرف اسرائيل على اساس أن «حزب الله» أضعف من أن يفتح جبهتين في وقت واحد، وأن انشغاله بالحرب السورية يمنعه من المجازفة بخوض حرب أخرى، فقررت أن تلعب على حافة الهاوية؟
ـــ كيف سيرد «حزب الله» عمليا، وفي أي توقيت وظروف، وما هي الخيارات المتاحة أمامه لمنع العدو من رسم المعادلات التي تناسبه، من دون إشعال حرب واسعة، لا تبدو الساحة اللبنانية مهيأة لها، في ظل الانقسامات الحادة والاستحقاقات الداهمة؟
ـــ ما هي الحدود التي يمكن أن يبلغها «حزب الله» في «الهجوم المضاد»، والى أي حد يستطيع التوفيق بين أعباء مشاركته في القتال داخل سوريا وبين متطلبات الرد على الغارة، خصوصا من حيث جهوزيته للمواجهة المفتوحة إذا قررت اسرائيل أن تندفع إليها؟
وبديهي أن السؤال المهم في إسرائيل بعد بيان الحزب، هو متى سيأتي الرد وكيف سيكون؟
هذا ما حاول المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن يقاربه، حيث أشار إلى أن التقدير الشائع هو أن «حزب الله» سيحاول التعرض لمسؤولين إسرائيليين كبار، وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستعد لمواجهة هذا الخيار. ويلحظ هارئيل أن إيران و«حزب الله» تصرفا مرارا بشكل يختلف عن تصرف القيادة السورية حيث حاولا الرد على العمليات الإسرائيلية وهو ما جرى في بلغاريا وأذربيجان. وشدد على أن الحساب مفتوح بين «حزب الله» وإسرائيل بسبب اغتيال الشهيد عماد مغنية ثم الشهيد حسن اللقيس.
وفي نظر المعلقين الاسرائيليين، كانت الغارة الإسرائيلية ولا تزال جزءا من «لعبة القط والفأر»، وفق تعبير المعلق العسكري لـ«يديعوت» أليكس فيشمان. ولاحظ فيشمان أن الغارة قرب الحدود اللبنانية السورية تمت «بسبب الضعف الجوهري للمحور المتطرف ايران سوريا «حزب الله»». وفي رأيه «يبدو أن الذي هاجم قافلة سلاح «حزب الله» قدّر أنه لن يكون رد من الطرف الثاني، فقد أضعفت الحرب الاهلية في سوريا قوة المثلث المتطرف الذي كان التهديد المركزي لاسرائيل. وطالما أن الايرانيين والسوريين و«حزب الله» يعيشون بشعور أن هناك احتمالا للابقاء على نظام الرئيس الاسد فلن يهتموا بجر اسرائيل الى داخل النار، برد قد يخرج عن السيطرة ويتسبب بحرب اقليمية».
واعتبرت صحيفة «يديعوت» الاسرائيلية أن الانشغال بالغارة الجوية قاد إلى إغفال الاهتمام بنشاطات سلاح البحرية الإسرائيلية قبالة الساحل السوري واللبناني التي تضاعفت تقريبا في العام الفائت عن العام الذي سبقه. وشدد قائد القاعدة البحرية في حيفا العميد إيلي شربيت على أن معظم نشاط قطعاته يتركز في الشمال حيث «توجد أفضل المنتوجات الإيرانية والروسية في المجال بين سوريا ولبنان، وجهود «حزب الله» والجيش السوري للتعاظم التي لا تتوقف».
واعترف شربيت بأن «التقدير في الجيش الاسرائيلي هو أن الصواريخ البحرية المتطورة من طراز «ياخونت» توجد منذ الان في لبنان».
الى ذلك، طلب الرئيس ميشال سليمان من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، جمع كل المعطيات والمعلومات المتوافرة عن الاعتداء الاسرائيلي لتقديم شكوى الى مجلس الأمن ضد هذا العدوان الذي يعتبر خرقا للقرار 1701
المصدر: السفير