الحزب عامل إستقرار

خلال الاسابيع الماضية، شهد هذا الملف ما يشبه حركة المد والجزر. وظهرت بعض الآمال المبنية على بعض التطورات الخارجية الواعدة.
فالتوافق الاميركي – الإيراني، الذي يشكّل المحور الاساس للحركة السياسية في المنطقة، حقّق التقدم المطلوب ولا يزال ينتظر التوقيع الرسمي.

وعلى هذا الاساس انطلقت المبادرة الفرنسية من خلال الموفد فرنسوا جيرو، وبعد ظهور إشارات إيرانية مشجّعة أوحى بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، وحصل ذلك في موازاة حركة وساطة باشرت بها سلطنة عُمان بين إيران والسعودية بعد فترة من الانقطاع.

وترافق ذلك مع انطلاق حوار لبناني داخلي صعب بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» أنتج تفاهماً أمنياً. لكنّ هذه الإشارات الواعدة لم تنجح في خلق إطار أوسع يساهم في حلّ الأزمة السياسية من خلال وصول رئيس جديد للجمهورية.

فالوساطة العمانية اصطدمت بالصراع السياسي الحاد داخل إيران وبالأوضاع الصحية الدقيقة للعاهل السعودي، وسط ملفات ضاغطة تتعلق بالعراق واليمن وسوريا، إضافة إلى أسعار النفط التي تكاد تخنق الاقتصاد الايراني الذي يعاني أصلاً.

وفي الولايات المتحدة الاميركية، سَيطرةٌ جمهوريّة على الكونغرس فاقَمت الصراع الداخلي القائم على اساس محاصرة الرئيس باراك أوباما وشلّ قدراته قبل نحو السنة وعشرة أشهر على مغادرته البيت الابيض.

في الاساس، بَدت واشنطن غير راغبة في طرح الملف الرئاسي اللبناني في سوق التسويات الاقليمية ومع إيران، لأنها لا تريد دفع أثمان اضافية لطهران. لذلك، ربما اتّسعت دائرة الحركة امام الديبلوماسية الفرنسية من خلال جيرو. لكنّ الصراع في الداخل الاميركي أثار حفيظة الرئيس الايراني حسن روحاني، القَلِق على ما تمّ التفاهم عليه مع واشنطن، والذي يرزح تحت عبء المشاكل الاقتصادية وانهيار أسعار النفط.

والواضح أنّ القلق الايراني نابع من جهود اللوبي اليهودي المؤيّد لإسرائيل والرافض أيّ تفاهم أميركي- ايراني، إضافة الى سَعي دول الخليج لإجهاض أيّ اتفاق في هذا الشأن.

وكان معبّراً الكلام الذي اطلقه أوباما منذ أيام، محذراً فيه من أيّ عقوبات جديدة على ايران كون ذلك سيؤدي الى انهيار المفاوضات مع طهران، معلناً أنه سيستعمل صلاحياته الدستورية لرفض أيّ خطوة في هذا المجال من جانب الكونغرس.

كلّ هذا الجوّ الدولي الضاغط والمعقّد، ينعكس سلباً أو على الأقلّ جموداً على الملف اللبناني. فعَدا عن أنّ الاولوية هي للمفاوضات النووية، وبعدها ملفات العراق فاليمن ثم سوريا وليبيا وأخيراً لبنان، فإنّ الحسابات الصعبة تدفع الجميع الى أقصى درجات الحذر والتمسّك بكلّ الاوراق وعدم التفريط بها.

فمع الجمود الذي عاد وأصاب الوساطة العمانية بين الرياض وطهران، بدأت العاصمة السعودية تسمع كلاماً من الاغلبية الجمهورية في الكونغرس بضرورة التمهّل وانتظار وصول رئيس جديد الى البيت الابيض.

وآخر الوفود الاميركية في هذا الاطار كان برئاسة المرشح الرئاسي السابق والطامح جون ماكين. من هنا، مثلاً، إيعاز السعودية وقطر إلى المعارضة السورية بمقاطعة مؤتمر موسكو، فزمن الحلول وتقديم التنازلات لم يَحن بعد.

لكنّ الجميع يُدرك أنّ نظام الحكم الرئاسي القائم في الولايات المتحدة الاميركية يضع سياسة البلاد، وخصوصاً الخارجية منها، في يد الرئيس وحده، ولو أنّ بعض القيود المالية موجود في الكونغرس. ما يعني أنّ تأثيرات الصراع الاميركي الداخلي لها حدود لا يمكن تجاوزها، خصوصاً أنّ الادارة الاميركية تتحدث دائماً عن اتفاقها مع ايران وكأنه بمثابة الانجاز التاريخي لأوباما وفريق عمله.

أخيراً، حين التقى النائب وليد جنبلاط «صديقه» السفير جيفري فيلتمان في لندن، كانت النصائح الاميركية اكثر وضوحاً: «الاتفاق مع ايران أُنجِز بنسبة كبيرة وتأخير التوقيع هدفه إعطاء بعض الوقت لتسويقه في السعودية وتركيا واسرائيل».

«نصيحة» فيلتمان تعرفها طهران، لكنّ الحذر الذي يشتهر به صانعو السياسة الايرانية، خصوصاً في ظلّ وجود شكوك ضمنية حيال النيّات الاميركية الحقيقية، إضافة الى قدرة اسرائيل على التأثير سلباً، يدفعان طهران لاستعادة وضعية الحذر والانكفاء والانتظار. لكنّ فيلتمان الذي كان قد دشّن مرحلة الحوار بين واشنطن وطهران من خلال زيارته الشهيرة، قال لجنبلاط: «نحن نحتاج للعلاقة مع إيران بالمقدار نفسه الذي تحتاجها ايران اذا لم يكن أكثر».

فيلتمان الذي كان سفيراً لبلاده في لبنان خلال مرحلة «ثورة الارز» وخروج الجيش السوري من لبنان، حاول إضاءة الطريق امام صديقه اللبناني الذي وجده قلقاً ورؤيته مشوّشة، فقال له: «لم تعد أولوية واشنطن إسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، لذلك هو باق الآن».

لكنّ السفير الاميركي، الخبير بملفات المنطقة، لا يلبث أن يروي لصديقه أنّ واشنطن وضعت خطة لمحاربة «داعش» وتدمير مقوّماته، لكن بعد أن يتعب، والأهمّ بعد إنهاك النظام السوري وإضعاف القبضة الشيعية في العراق، وقد يأخذ هذا الأمر وقتاً لا بأس به.

وانطلاقاً من هذه القراءة، يحضر ملف «حزب الله» تلقائياً. فيُعيد فيلتمان تكرار موقف بلاده ربما لطمأنة جنبلاط: «حزب الله منظمة إرهابية وفق التصنيف الاميركي»، ويضيف بما يشبه إضاءة الطريق أمام صديقه اللبناني: «… لكنّ واشنطن ترى في «حزب الله» عامل استقرار في لبنان والمحيط اذا قرّر ذلك، وسنتعامل معه على هذا الاساس وسنشجّعه في هذا الاتجاه».

ولا ينسى فيلتمان، قبل مصافحة الوداع والتقاط صورة «SELFIE» التي وزّعها جنبلاط على حسابه الخاص عبر «تويتر» وكتب تحتها «أنا وصديقي جيف»، أن يُوجّه النصيحة الاخيرة: «لا تصغِ كثيراً الى بعض «فلاسفة 14 آذار»، فهذا الفريق مشرذم وممزّق وحالم في بعض الاحيان، وبالتالي نصيحتي أن تستمر في سياستك الواقعية».
المصدر: الجمهورية

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …