الأملاك العامة والمواقع الأثرية: الاستباحة مستمرة جنوباً
داني الأمين
قرّر المدعي العام البيئي في النبطية نديم الناشف إقفال أحد المباني في بلدة تولين (قضاء مرجعيون) بالشمع الأحمر، بعد شكاوى من اعتداء أحد المختارين على أملاك عامة وأحد المعالم الأثرية المهمة في البلدة.
القصّة، كما يرويها أحد أبناء البلدة، بدأت حين اشترى المدعى عليه قطعة أرض ملاصقة لموقع أثري يعرف باسم “ميريحيا”، علماً بأن هذه الأرض ملك عام. وقد عمد إلى شق طريق خاص لأرضه عبر الموقع الأثري، ما أدى الى ردم معالم ثلاث آبار تاريخية. وتضمّنت شكوى الأهالي قيام المدعى عليه باستخدام الحجارة الأثرية في بناء منزله! كما عمد إلى قطع عشرات من أشجار السنديان المعمرة، من دون أن تحرّك فرق مأمورية الأحراج ساكناً.
ويشير الباحث موسى ياسين الى أن “النبي يحيى بن زكريا أقام في هذه الهضبة الأثرية التي تسمى هضبة مار يحيى في الجهة الشمالية لبلدة تولين، وهي تشرف مباشرة على نبع الحجير”، لافتاً الى أنه “وجدت في تلك الهضبة آثار تعود الى العهود الفينيقية والرومانية واليونانية، ومن أهمها سبع آبار رومانية بعمق حوالى 15 متراً، وأجران كانت تستخدم للري والشفة، وصخرة ضخمة نحتت عليها كلمات يونانية، وقطع نقدية فضية عليها رسوم للقادة الذين خلفوا الاسكندر المقدوني”.
ردم ثلاث آبار
تاريخية في تولين و{اختفاء» 500 ألف
متر مربع في الغندورية!
وهذا ليس الاعتداء الأول من نوعه في بلدة تولين، إذ بدأ الأمر تزامناً مع بدء عملية التحديد والتحرير الالزامي لعقارات البلدة عام 2009. لاحقاً، ظهرت شكاوى عدة من اعتداءات على الأملاك العامة طاولت نحو 500 ألف متر مربع من أراضي المشاعات. وبين الأراضي المستولى عليها 15 ألف متر مملوكة لـ”دائرة المعارف”. ولدى تقديم الأهالي عريضة الى الجهات القضائية، توقفت عملية المسح ولم تستأنف بعد، فيما لم يصدر أي قرار عن وزارتي الداخلية والمالية في هذا الشأن.
الاعتداءات طاولت أيضاً أراضي في بلدة الغندوية (قضاء بنت جبيل)، إذ قدّم عدد من أبناء البلدة إخباراً إلى النيابة العامة حول تعديات على الأملاك العامة تزيد على 500 ألف متر مربع. وبحسب رئيس البلدية السابق أبو بسام نادر “فإن هذه الأملاك مسحت بطلب من القائمقام السابق إبراهيم درويش، وقد عيّن مساحاً لهذا الأمر عام 2008 نفذ العملية واستحصل على توقيع المختار والبلدية، ثم أرسلت النتائج إلى دائرة المساحة. إلا أن المستندات اختفت من السجلات، فجرى تكليف مسّاح آخر، ليتبيّن أن المسح الجديد لا يتضمن إلا القليل من مساحات المشاعات”. كذلك تبيّن أن “أحد الأحراج في الحجير أصبح ملكاً خاصاً، رغم أنه كان من أملاك الدولة العامة، وهو يقع تحت مظلة حماية مأمورية الأحراج “. ويقول نادر “طلبنا سابقاً خريطة جويّة للبلدة من وزارة الدفاع، لكن تبين عدم وجود أي أثر لها، علماً بأن البلدة كانت خط دفاع ثانياً ويوجد مركز للجيش فيها”.
ويؤكد المختار السابق محمد حمود ما جاء في رواية نادر، مشيراً الى أن “المساح المكلف حينها، كريم سلامة، كان مسؤولاً عن الأملاك العامة في الجنوب، وقد مسح نحو 1200 دونم من المشاعات، ووقّعنا عليها وأرسلناها الى دائرة الشؤون العقارية في بيروت، لكن هذه الخرائط اختفت”، فيما يصف المختار الحالي علي أحمد فياض “هذه الادعاءات” بأنها “غير صحيحة. ومعلوم أن الأراضي كانت ملكاً لآل غندور، وادّعاء البعض أنني منحت “علم وخبر” بأرض مشاع لأحد أبناء البلدة لا صحة له، بل وقّعت على إفادة تمليك بوضع اليد منذ أكثر من 30 سنة”.