الأركيلة والزمن المخيف

ماذا دها مجتمعاتنا عموماً كي تغزو عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، مظاهر سلبية وبلاءات اجتماعية تنخر بيئتنا سرطانياً بما يدّمر ثقافةً عظيمة تربّينا عليها في حياتنا وارتبطت بتاريخٍ ومحطات، ترسم شخصية فرد او مجتمع قياساً بغيره حسب الانتماء او المكان وبما يوصّى به الى الأبناء. واذا كان الانفتاح العصري والهوس التكنولوجي، وتطور وسائل الاتصالات والتقليد الأعمى للغرب والاستخدام المتخلّف للإنترنت عوامل مؤذية. فهل ان ما نشأنا وترعرعنا عليه من أصل وأساس في التكوين العقلي والنفسي في مجتمعاتنا المنغلقة عن تلك التي حكمتها مثل هذه الظواهر والتي تخلو اصلا من أي التزامات وما شابه، باتت اليوم مهددة بفعل التحوّلات البيولوجية والنفسية والعقلية التي بدأت تضرب في الجذور؟ وما السبيل للحد من استفحال الامور اكثر؟ ومن المسؤول لتلافي ممتهني هذه الآفة وجعلهم يعيدون التمسك بالقيم وعدم الاستغناء عنها تحت اي ظرف؟!

حتى الاديان السماوية التي نهت عن ما كان مضراً او خبيثاً وحرّمته، لقوله (صلعم) “لا ضرر ولا ضرار”، و”يحلل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث”، لاقاها اصحاب العلم والطب بالتحذير من مخاطر ضرر وخبائث الدخان، ما دفعهم الى مؤتمر دولي في الدوحة خلص الى ان اهم اسباب الموت المفاجئ في اوساط الشباب والاطفال يعود للنرجيلة عن طريق التدخين المباشر او السلبي بوجود الطفل في مكان التدخين، والتي تؤدي ايضا للاصابة بالسرطان والسل الرئوي بحسب دراسات اميركية واثرها البالغ على الاسنان، وصولا للامراض المعدية باعتبارها تحتوي 4 آلاف مادة ضارة وملوّثة للهواء. وأوصى المؤتمر بضرورة سن تشريعات وقوانين تحظّر النرجيلة في الاماكن العامة، كون مخاطرها لا تقل عن السجائر، ولأن معدل التدخين لدى الشباب والفتيات بين عمر 13 الى 15 سنة بات يمثل ضعف مدخني النساء والرجال البالغين الامر الذي تخطى الحدود والمعقول.

رسالتي اردتها صرخة الى من يعنيهم الامر في مجتمعنا وبيئتنا، وخصوصاً الى الآباء و”الأمهات” علّها تلقى لديهم آذاناً صاغية:

اذا كنتم تعتبرون ان النرجيلة باتت تراثاً سلوكياً وشعبياً بتفسير الاشكال والزخاريف لصناعة اجزائها، وبأنها شريكة اساسية في جلسات السمر و”الصباحيات” والقيلولات على انواعها كحال القهوة او المتة ولا تحلو من دونها، او ان استبدالها بالسجائر هو اقل ضرراً، فهذه مفاهيم مغلوطة.

اذا كان ثمة أسباباً نفسية دفعت بعض “سيدات المجتمع المخملي” للقول نحن هنا، والى إثبات الذات – وهنا الامر معكوس – حيث ان اثبات الذات الحقيقي هو في توظيف فكرة الفرد لخدمة نفسه والمجتمع، او رغبة محمومة للتشبه بالرجال واثبات ان المرأة يمكنها ان تقوم بكل ما يقوم به الرجل، وصولا الى خروجها للعمل واستقلاليتها الاقتصادية شأنه ان يحرّرها من العادات والتقاليد، فإنما هي مظاهر كاذبة واساليب ضارّة.

اذا كان الانقياد الأعمى وراء ممن تتمتعنّ بشخصية قيادية – وهذا كثير ومنتشر هذه الايام لعوامل عدة يدفعهنّ الى التشبه بسلوكها ومجاراتها في شرب النرجيلة، او مسلكاً نفسياً تلجأ اليه سيدة ما هروباً من واقع او خلاصاً من مشكلات نفسية، أو ما يسمونه “فشة خلق”، أو لضغوط عائلية، فإنما تنم تلك عن ضعف كبير في محاولة حل مشكلة تزيدها تعقيداً، واضطراباً سلوكياً خطيراً.

اذا كان من ضغوط اجتماعية متعددة داخل الاسرة وغيرها يحدّ من حرية السيدات او الفتيات ويدفعهن الى الهروب عن طريق سلوكيات غير مرغوب فيها تعبيراً عن الرفعة او التحدي او التبرم منها، او هروباً من الفراغ، او ضغوطاً من نوع زميلات او صديقات يدفعنها للتشارك بالنرجيلة خلال الجلسات او الابتعاد عن مجموعتهنّ، او رغبة بعضهنّ في التفاخر والتباهي والتبرّج امام بعضهنّ الآخر تعبيراً عن قدرة على القيام بما لا يستطعنّ القيام به عوامل تؤدي الى المهالك.

ايها الرجل، ايتها المرأة

لا تحوّلان اسرتكما الى “نووية” – اي متناثرة كل فرد منها يريد الاستقلال عن الآخر بسبب عناصر الانترنت او الفضائيات مما يدفعهم الى الشعور بالغربة داخل المنزل، لا تتخلوا عن روح التفاهم والحوار البنّاء داخل الاسرة لجعلها اكثر وعياً حيال ما يجري من سلوكيات، ركّزوا على الرعاية الاجتماعية السليمة للاسرة وتوفير البرامج الارشادية والمراقبة الدائمة لابتعاد ابنائكما عن العادات السيئة في النفوس، حضّوا على التمسك بالتقاليد والعادات والاعراف وسيَر الاخيار والسلف الصالح.

إن استمتاع الشابة ب”حرفنتها” وفن نفث وإخراج الدخان من منخريها واجتماعها مع فتيات “النراجيل” مع ما يجري من شرب للخمور وتفلّتا للامور وخروجا عن المألوف، انما يدل على زمن إنهيار القيم والاخلاق وانتشار افعال الرذيلة وبث المفاسد والضياع… إنه زمن العجائب… فهل من يسمع ؟! هل من يرى ؟!.

الشيخ Amer Zeineddine

المصدر: الأنباء

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …