سامي كليب
تابعت بدقة متناهية كلما كُتب في اليومين الماضيين عن ” عاصفة الحزم”ضد الحوثيين. وجدت كالمعتاد كُتَّابا وصحافيين ومفكِّرين وسياسيين يُغالون في المدح فرحا بما حصل او انتقاما من ايران او وخصوصا طمعا في هدية مالية تأتيهم من السعودية . فالكتبة والسياسيون المرتزقون كثيرون في وطننا العربي. ولكني وجدت أيضا من يُغالي في تسخيف العاصف. يُكثِّف عبارات التهديد والوعيد، ومعظم هؤلاء يستندون الى ما ستفعله ايران. هم بذلك يسلِّمون بانتفاء الفعل العربي على موائد الأمم الكبيرة، او يرغبون كما الجزء الأول بهدايا تأتيهم من طهران، أو يتحدثون انتقاما من دول الخليج التي يعتبرونها ” رجعية” و ” مطية ” للولايات المتحدة وفق توصيفاتهم.
أمام هذه الغابة من التصريحات عديمة الفائدة، وسيل المواقف المتملقة عند الطرفين، تغيب للاسف الحقيقة في وطننا العربي، ذلك ان الاعلام والسياسيين ما عادوا يقولون ما يجب ان يُقال، وانما ما يخدم غرائزهم المذهبية والطائفية، او ما يأتيهم بالهدايا العينية او السياسية.
اذا ابتعدنا قليلا عن الأهواء المأجورة ، نجد اننا أمام واقع جديد تماما في المنطقة. هناك قائدان على الأقل تحديا الرئيس الاميركي باراك اوباما، الأول بنيامين نتنياهو حين أصرَّ على الذهاب الى الكونغرس وحصل على موجة تصفيق وتأييد هستيرية من أعضائه الخاضعين بمجملهم للوبي اليهودي، والثاني هو العاهل السعودي الملك سلمان الذي قاد عملية عسكرية ضد الحوثيين وضمنيا ضد ايران في لحظة حتسمة. قادها حين كان المفاوضون الاميركيون والايرانيون يسعون لتذليل آخر العقبات أمام الاتفاق المبدئي المفترض ان ينتهي آخر الشهر الحالي ليوقع نهائيا في آخر حزيران/ يونيو.
لا شك ان الاثنين افادا من ” الرجل المريض” القابع في البيت الابيض. نعم هو ضعيف جدا الآن قبيل عامين من نهاية ولايته. متردد، وحائر في كيفية الحصول على انجاز ما، تارة في كوبا، واخرى مع ايران، لأنه فشل في الملفات الاخرى جميعا. أحد اسباب فشله كان نتنياهو نفسه، ما حدا بالبيت الأبيض الى اصدار اعلان هام قبل ايام يدعو فيه رئيس الوزراء الاسرائيل الى انهاء احتلال 50 عاما لفلسطينين ان اراد للسلام طريقا.والسبب الثاني للفشل كان المحور الايراني السوري الروسي مع حزب الله الذي أعاق الكثير من مخططاته.
في المعلومات الاوروبية، ان الأميركيين ” أُبلغوا” ب ” عاصفة الحزم” ولم يكونوا في أصل الفكرة. فالخطة من الأساس هي سعودية تحمل توقيع الملك سلمان. نسجت السعودية كل تفاصيل التحالف وتفاهمت خصوصا مع مصر وتركيا وباكستان وحلفائها الخليجيين والسودان، ثم ابلغت الأميركيين بالأمر. لا شك ان واشنطن لها من العيون والمخابرات ما يكفي لتعرف قبل ان تُبلغ ولكن هذا ما حصل .
ماذا يعني هذا ؟
اولا : من الطبيعي ان ملكا جديدا يتولى العرش في السعودية، لا يستطيع السكوت على سيطرة خصومه الحوثيين الذين يتهمهم بالتحالف العضوي مع ايران، على اليمن. فاليمن بالنسبة للسعودية هو العمق الاستراتيجي. لنتخيل مثلا ان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان سيسمح لخصوم سورية بالسيطرة على لبنان .
ثانيا: ان الملك سلمان الذي نسج شخصيا علاقات دولية مهمة مع دول آسيوية وبينها الصين والهند واليابان وباكستان ( زارها جميعا قبيل توليه العرش ) ، سعى منذ فترة لافهام الاميركيين بأن ثمة خيارات اخرى مفتوحة اذا ما مضوا في جعل ايران الشريك المفضل واذا ما قبلوا بتوسع دورها في المنطقة لاجل الاتفاق معها على البرنامج النووي.
ثالثا : ان من يعرف الملك سلمان، يدرك ان الرجل وفريقه عندهم ” عقيدة” جديدة تختلف بنسبة كبيرة عن عقيدة الملوك السابقين، فهم اكثر رغبة بالحسم وأكثر ميلا نحو المواجهة اذا تطلب الامر ذلك، وتستند هذه العقيدة خصوصا على مبدأ التدخل حيث ينبغي التدخل، وانك حين تتقدم فان الآخرين سيمضون خلفك، فلا تنتظر الاخرين. لعله تعلم الدرس تماما من التردد الاميركي حيال الثورات العربية في مصر وتونس. آنذاك ترددت اميركا كثيرا ثم التحقت بالركب وتبنته . من سمات العقيدة الجديدة مثلا ان الملك سلمان بنفسه رفض مشاركة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بجنازة الملك عبدالله .
رابعا : ان الملك سلمان وفريقه( نركز على فريقه لأنه هو الاخر صاحب قرار وخصوصا الامير محمد بن نايف ولي ولي العهد الذي تعتبره اميركا الاكثر قربا اليها )، يريدان القول لأميركا انه اذا اردتِ منا ان نحارب فعليا داعش وغيرها ( والتي هي في نهاية الامر تيارات سنية مع ما يعني هذا من حساسية خاصة حتى داخل المملكة ، فلن نقبل ان يكون الثمن لايران .
خامسا : ان العقيدة السعودية الجديدة، تقول انه لا يمكن مشاهدة ملفات اخرى محيطة بالسعودية طويلا تغلي بالنار التي قد تصل شراراتها الى الخليج، دون الاقدام على شيء ما .
ثمة من يعتقد بان وقوف تركيا الى جانب السعودية ( رغم المنافسة الضمنية بينهما على القيادة السنية )، هو رغبة تركية بالحصول على دعم السعودية في فرض منطقة حظر جوي في سورية. ومن الطبيعي ان مسالة ” شرعية ” هكذا تدخل ستربطها تركيا والسعودية بطلب ” الحكومة المؤقتة ” المعارضة على أساس ان العالم الاطلسي ودول الخليج وبعض الدول العربية رفعت الشرعية عن الرئيس بشار الاس ومنحتها لتلك الحكومة .
هنا بالضبط كل القضية. فايران وحليفها الحوثي أُصيبا بنكسة معنوية في اليمن. يكفي ان يلقي المرء نظرة على ارتفاع معنويات تنظيمات وجمعيات اسلامية او على مئات المقالات التي اعتبر كاتبوها ان السعودية قامت بعمل ” استثنائي”، ليفهم مجرى الرياح المعنوية. لا بل ان الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس الذي لم يكن في السنوات القليلة الماضية يسمع في الخليج سوى من الحوثيين عبارة ” الموت لاسرائيل”، سارع الى تأيي “عاصفة الحزم ” .
فهل سيتم هضم النكسة المعنوية التي قد تسمح للبعض بالتفكير بعمل مماثل في سورية ( رغم استحالة ذلك برأيي لان المسألة هناك مختلفة تماما ولا تحتمل دول الخليج انعكاساتها الامنية والسياسية )، أم ثمة ما يعيد الاعتبار لمحور ايران وحلفائها…..
بانتظار ذلك، ربما علينا، التفكير جديا، بان للملك سلمان عقيدة مختلفة ويجب بالتالي وضع استراتيجيات مختلفة للتعامل معها ، صحيح أن اميركيا وبعض الغرب عادا ينفتحان على الرئيس الاسد، لكن ثمة من قد يفكر بأنه طالما الامر نجح في جر اميركا لتاييد العملية العسكرية في اليمن، فلماذا لا نجرب في مكان آخر ….. حتى ولو ان ثمة من يفكر بالمقابل بان السماح بما حصل في اليمن سيقابله تغيير الرياح في سورية والعراق لصالح حلفاء ايران .