«أنا أكره السياسة». قالها الشاب، صراحةً، بُعيد تنصيبه «وليّاً للعهد» في «الإمارة» الجنبلاطيّة (الاشتراكيّة طبعاً). آنذاك، قبل نحو عامين، لم يكن بعضنا يعرف صورة تيمور وليد كمال فؤاد… جنبلاط. وبعد أن عرفناه، رأيناه وسمعناه، حقّ لأحدنا أن يتصوّره، ذات ليلة قبيل التنصيب، يقول لوالده: «أرجوك، لا أريد ذلك، جنّبني هذه الكأس المرّة». يُمكن أحدَنا، أيضاً، أنّ يخاله أمس، بُعيد «تصريحه» مِن عين التينة، قد سارع إلى والده قائلاً: «ألم أقل لكَ؟ لِمَ تفعل ذلك بي؟ لا أستطيع». ما الذي يفعله وليد جنبلاط بنجله؟ يُمكن السخريةَ أن تأخذ مداها مِن تصريح الشاب، يُمكن «التقريق» الإلكتروني أن يُصبح «الترند» اليومي، كذلك يُمكن «تقريشها» في حساب المناكفات السياسيّة… لكن، مِن ناحية أخرى، ثمّة ما يُحزن في هذا المشهد. المسألة ليست في أنّ الشاب لا يُجيد التعبير بالعربيّة، وأنّ ثقافته غربيّة، كما هي «التخريجة» المعتادة، بل في شاب بات وجهه يُصبح أكثر كآبة. شاب كان يُمكن أن يعيش المرح، أن يستمتع بحياته إلى الحدّ الأقصى، في ظلّ أموال عائلة «لا تأكلها النيران». لكن أين يهرب مِن قدره الطائفي، أو القبلي بمعنى أدقّ، الذي فرض عليه أن يكون وريثاً سياسيّاً. هناك شاب يُورَّث أرضاً، آخر يُورَّث بيتاً، وأكثرنا يُورَّث الفقر، فيما صاحبنا يُورَّث طائفة «بأمّها وأبيها». ثقيلة هذه. لن يكون جنبلاط، الأب، أوّل زعيم لا يوفّق في وريثه «كاريزماتيّاً». ليس لأب أن يفرض على الطبيعة كيف ستكون شخصيّة ابنه البكر. ربّما أمكن زعيماً لبنانيّاً أن يُحيي ويميت، على طريق «نمرود» الأسطوريّة، إلا أنّه لا يُمكنه «خلق» زعيم فطن مِن صلبه دائماً. ثمّة ما يُعجز الزعماء في بلادنا، وهذه، وإن على حساب كآبة الابن أحياناً، إنّما مِن إيجابيتها إعادة المتعالي، ولو قليلاً، إلى الأرض.
كان يُمكن أحدَنا أن يَحار، أمس، عندما طأطأ تيمور رأسه، مع «عفواً» خجولة، إن كان له أن يضحك أو يحزن. لحظة مُحيّرة. ليس الحزن، كاحتمال، على مجرّد شاب شاء القدر أن يولد حيث ولد، وأن يُصبح «مختبراً» في زمن مكشوف، بل علينا، نحن العاديين، الذين شاء القدر أن نولد هنا، في هذه البلاد، حيث ما زالت الأمور تجري على ذاك النحو. على تلك البدائيّة. بالمناسبة، إمبراطورة اليابان المُقبلة، بالرغم مِن أنّ المنصب يكاد يُصبح شكليّاً، مُصابة حاليّاً بـ«اضطراب التكيّف». هذا ما حدّده الأطباء، هناك، وشخّصوا بأنّها حالة «تُسبّب توتراً عصبياً». هي قالت، بعد اقتراب موعد التنصيب، إنّها «تشعر بقلق حيال دورها الجديد». كانت، قبل ذلك، على موعد مع مستقبل مهني واعد، في العمل دبلوماسيّةً بعد دراستها، قبل أن تأخذها «الأقدار» إلى مكان آخر، فتصبح «مضطربة». هكذا، إنّها نموذج يُمكن وليد جنبلاط أن يُطيّب به خاطر ولده: «انظر، لست وحدك كئيباً». صحيح أن اسمه تيمور، ويعني «حديد» بالأوزبكيّة، لكنّ الأسماء مجرّد أسماء. ليس كلّ تيمور سيكون تيمورلنك. لو كان لدى تيمور جنبلاط أصدقاء، يُحبّونه حقّاً، لكان يجدر بهم أن يُنظّموا الآن حملة إعلاميّة، أو حتّى يكتفوا بفتح صفحة إلكترونيّة، بغية التضامن معه. يُمكن أن يكون العنوان: «أنقِذوا تيمور».