أمين حطيط – إنتخاب السيادة

انتخاب السيادة …. و الخريطة الاستراتيجية الدولية الجديدة .
امين محمد حطيط ..الثورة \دمشق ..2\6\2014
نادرا ما يصدر عن الغرب المكابر مواقف تظهر غيظه من الخسارة و رعبه من تفاقمها ، و لكن سورية اخرجت الغرب المعتدي عن طوره و دفعت بمسؤوليه للاعتراف بحجم الكارثة الاستراتيجية التي حلت بهم في منطقة الشرق الاوسط و منها الى العالم برمته ، من خلال العجز عن تحقيق انجاز ذو طبيعة استراتيجية قابل للصرف السياسي انطلاقا من العدوان على سورية .
فالغرب بات يشعر ان احلامه و طموحاته بامتلاك منفرد للقرار العالمي لتكون اميركا سيدة المعمورة ، ان الغرب هذا بات على يقين بان الحلم سقط و لن يتوقف السقوط عند هذا الحد بل ان الخسائر الاستراتيجية تتوالى فتنتج الواحدة الاخرى بشكل غير مسبوق حتى قبل انتهاء الحرب الباردة. و لم يكن جيفري فيلتمان (السفير الاميركي السابق في لبنان مهندس اكذوبة “ثورة الارز” التي شاء الاميركي منها الانطلاق الى شرق اوسط اميركي ، ) فيلتمان الذي زرعته اميركا في الامم المتحدة الى جانب امينها العام لينقذ مصالحها في عصر المتغيرات و الانقلابات الاستراتيجية الدولية الجارية منذ انطلاق العدوان على سورية ، فيلتمان هذا يطلق الصرخة الان محذرا اميركا و مطالبا باعادة النظر بسياستها حيال سورية لانه يخشى ان تفقد ورقة لبنان و ورقة الاردن بعد ان فقدت ورقة سورية . و ان اهم ما في موقف فيلتمان الان و هو رسمه للواقع بمنظور اميركي و اعترافه بخسارة المواجهة في سورية ، و سيسجل التاريخ ان موقف فيلتمان هذا هو الاعتراف الاميركي الاول بالهزيمة في الصراع الدولي الدائر على الارض السورية .
و لم يبق موقف فيلتمان يتيما بل جاء موقف السيناتور الاميركي ماكين المعروف بعدوانيته و شراسته ضد حرية الشعوب و سيادتها بشكل عام و ضد محور المقاومة و سورية بشكل خاص ، ماكين و في الاسبوع المنصرم اعاب على اوباما مواقفه ” الانهزامية” التي اطلقها في “وست بوينت “( الكلية العسكرية الحربية الاميركية التي ينشأ فيها الضباط الاميركيون ،) مواقف كان اهم ما فيها تعهدا مقنع يطلقه الرئيس الاميركي امام الضباط بان القيادة الاميركية لن تلقي بهم بعد الان في اتون نار و حروب جديدة خارج الارض الاميركية و ان عليهم التحفز للدفاع عن حقوق اميركا و مصالحها انطلاقا من الارض الاميركية فقط . و هو موقف يشكل برأينا انسحابا اميركيا نهائيا من منظومة “الحروب عبر الحدود ” و طي صفحة “استراتيجية القوة الصلبة ” بشكل نهائي .
على ضوء هذه المواقف نقرأ او نستقرأ ما يدور في العالم الان من صراعات و مواجهات بشكل عام و في سورية بشكل خاص ، و نتوقف عند الممكن و المحتمل من السلوك الغربي او اكثر تحديدا السلوك الاميركي حيال تلك المواجهات الممتدة من اوكرانيا على الحدود الروسية ، الى شمال افريقيا و بشكل خاص ليبيا و دول جوارها و الاهم ما بين الجبهتين ما يجري في سورية بالذات ، الجبهة او الميدان الذي ثبت ان المواجهات فيه و عبره ، انتجت بشكل اكيد النظام العالمي الجديد و رسمت الخريطة الاستراتيجية الدولية الجديدة ، و حسمت التوزانات الدولية الجديدة .و من خلال هذه القراءة و الاستقراء نستطيع رسم المشهد كما يلي:
1) طوى الغرب مكرها صفحة “الحروب عبر الحدود” ، و اضطر للانكفاء و التراجع عن فكرة فرض القرار بالقوة العسكرية و بالجيوش التي تحتل اراضي الغير و تغير الانظمة و تسقط الحكام ، و دخل الغرب الان – كما دخلت اسرائيل قبله في العام 2006 – دخل “دائرة عجز القوة ” و بات يملك قوة رغم تعقيدها و اهيميتها قاصرة عن تحقيق اهدافه في السيطرة على العالم او انشاء منظومة استعمار جديد بمواصفات تناسب مصالح الغرب و قدراته و تواجه المخاطر المحتملة من هذا الجانب او ذاك .
2) بات الغرب ملزما بالتحول من سياسة اقامة الفضاء الاستراتيجي الحيوي الشامل للعالم كله ، الى سياسة تحديد الخسائر و المحافظة على جزر النفوذ في معسكر الخصم ، و في ذلك انقلاب استراتيجي هام لا يماثله في عصرنا الحاضر الا ما حدث عقب تفكك الاتحاد السوفياتي و توقف الحرب الباردة ، و انطلاق اميركا في مشروع ارساء النظام العالمي القائم على الاحادية القطبية ، المشروع الذي نشهد سقوطه الكلي الان .
3) انقسم العالم اليوم الى شرق قادر عن الدفاع عن حقوقه و مصالحه ، و غرب عاجز عن انتهاك تلك الحقوق ، شرق بات يمتد من الصين في الشرق الاقصى الى لبنان على ساحل المتوسط ، و لم يتبق للغرب في هذه المساحة التي يقطنها اكثر من نصف سكان العالم ، لم يتبق الا جزر متناثرة تستعد اميركا للانسحاب من بعضها ( كما هو الحال مع افغانستنان ) و تتهيب او تخشى الزامها بالخروج و خسارة البعض الاخر ( كما هو الحال مع الاردن و سورية وفقا لتحذيرات فيلتمان ) و لا تفيد المكابرة او الغضب الذي يبديه هذا وذاك عندما يكون حديث عن فضاء استراتيجي حيوي لمحور المقاومة يمتد من ايران الى شاطئ المتوسط ، فهذا الفضاء بات اليوم امرا واقعا لا يخفيه نفي من اصيب بالعمى السياسي او العجز عن التقدير و الفهم الاستراتيجي .و الاخطر في هذا الانقسام هو ان الشرق يسير في خط صاعد بخلاف الغرب الذي يتراجع وفقا لخط انحداري ، خاصة مع العجز المركب اقتصاديا و عسكريا و علاقات دولية .
4) انقلب الغرب من مهاجم للاهداف عبر البحار و بعيدا عن الحدود الى ملزم بالدفاع عن النفس و المصالح في عقر داره ، و ان التحذير الذي اطلقتها “صحيفة الاندبنت ” البريطانية بالامس هو امر بالغ الاهمية و الدلالة لجهة توقع انتقال الارهاب الى بريطانيا مباشرة مع انتهاء الازمة السورية التي باتت تسير بالخطى المتسارعة نحو نهايتها ، و قبل هذا التحذير كانت مواقف مماثلة تصدر عن دول اروبية عدة ( فرنسا ، المانيا ، بلجيكا ، …) و دول النفط الخليجي التي باتت تخشى على مستقبل امنها و ترتعد منه و تسعى الى ترتيب علاقات بعيدة عن النظر تمكنها من مواجهة العواصف الامنية المرتقبة ضدها .
5) انكشف الغرب و افتضح امره في مخططاته الكيدية في الدول التي يبتغي السيطرة عليها لنقل السلطة و تسليمها الى الدمى التي يصنعها ، و باتت اكذوبات “المرحلة الانتقالية ” ، و “التنحي”.. الى ما هنالك من خدع ، مناورات مفضوحة لن تجد لها سبيلا الى التطبيق ، و وحدها صناديق الاقتراع التي تعبر عن ارادة الشعوب فقط يؤخذ بما يصدر عنها و هذا ما يثير جنون الغرب .
في ظل هذا المشهد الدولي الجديد تجري الانتخابات الرئاسية في سورية ، انتخابات تؤكد على المتغيرات الدولية و تثبت نتائج المواجهة في الميدان التي اضحى ميزانها راجحا و بشكل اكيد و بمعدلات عالية و من غير امكانية اجراء مراجعة او تعديل باتت لصالح سورية التي تثبت انتصارها مع محور المقاومة بصرفه في السياسة عبر صناديق الاقتراع التي باتت كابوسا يؤرق دعاة العدوان الغربي و قيادته الاميركية و ادواته الاقليمية ، حتى اخرجتهم عن طورهم و دفعتهم الى منع اجراء الانتخابات على اراضيهم ، حتى و التحق لبنان عبر وزير داخليته المرتبط بتلك السياسة و اتخذ من القرارات ما يحد من ممارسة السوريين لحقهم الانتخابي .
و هنا نؤكد على عدم اهمية المواقف العدائية الغربية ضد الانتخابات الرئاسية السورية ، فهذه الانتخابات تجري على الارض السورية او في السفارات السورية في الخارج التي لم تمارس الدول المعتمدة لديها سلوكيات القمع و منع الممارسة الانتخابية ( 43 دولة سمحت باجراء الانتخابات فيها ) ، و نذكر ب لا اهمية المكان في اي حال لان الانتخاب يقوم به انسان على اي مكان ، و الشعب السوري اظهر من خلال العينة الموجودة في لبنان كم هو تواق و ملهوف لتأكيد انتصار دولته عبر ذهابه الى صندوق الاقتراع لينتخب السيادة و الاستقلال و الحرية ، متمسكا بالقائد الذي يمثل رمزا لكل ذلك . و بعد مشهد السوريين في لبنان ( و هم يمثلون عينة عشوائية من الشعب السوري ) و حشودهم الاسطورية باتجاه سفارتهم في لبنان ليمارسوا حقهم بالاقتراع ، لن يجدي تشكيك او تخرص او ادعاء بمشروعية الانتخابات و صدقيتها او عدمه .
اما عن الاعتراف بالنتائج او عدمه ، فان سورية لا تنتظر من عدو او خصم او مجرم ان يشهد لها او يعترف بمشروعية اعمالها ، و هي تسير في هذا السياق متمثلة قول الشاعر العربي ” و اذا اتتك مذمتي من ناقص …فهي الشهادة لي باني كامل ” و يكفي ان يكون السلوك السوري مبعثا لغيظ العدو و غضبه حتى يكون في هذا الامر قرينة قاطعة على صحة السلوك و صوابيته ، ثم من قال ان سورية تنتظر من اولئك المعتدين شهادة ؟ ، و من يستطيع ان ينسى انه مع انقسام العالم الى شرق و غرب ، ان التكتلات الدولية التي تنتمي سورية اليها ، هي جاهزة و اكدت على هذا الجهوز للاخذ بنتائج ما يصدر عن صناديق الاقتراع من تعبير عن الارادة الشعبية السورية ،
و اخيرا هل يمكن لعاقل ان ينسى ان الشعب السوري يذهب الى صناديق الاقتراع من اجل تثبيت انتصار دولته على العدوان الذي استهدفها و انه لا ينتظر من المعتدي المهزوم المكابر اعترافا و انه لا يعبأ بعراقيله !!؟ فالمواطن السوري يتحفز اليوم الى المساهمة بشكل او باخر في صنع النصر الذي يتحقق ، فان حالت ظروفه دون النزول الى الميدان و تحمل معاناة المواجهة ، فانه على الاقل سيسجل مساهتمه في الذهاب الى صناديق الاقتراع ليكون من صناع الانجاز الاعجاز ، و ان التوقيع على لائحة الانتخاب هو بمثابة تأكيد الانتساب الى لائحة الشرف التي ادرجت فيها اسماء الابطال صناع الانتصار .
العميد د. امين محمد حطيط

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …