أمس بدت رسالة الرئيس ميشال سليمان الى المجلس النيابي وكأنها لزوم ما لا يلزم. فريق 14 آذار الذي رأى في تغيّب حزب الله عن الجلسة «استخفافاً بموقع الرئاسة»، كان نفسه ليستهين بها لولا أنه رأى فيها وسيلة لاستكمال هجومه على الفريق الآخر. رسالة سليمان إلى نواب الأمة أقل من حبر على ورق!
ميسم رزق
على خطى أسلافه، بعث رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان برسالة إلى النواب لحثّهم على تحكيم ضمائرهم والعمل لمنع الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى. لكن المفارقة أن الرئيس الذي توشك ولايته على الانتهاء، اختار توقيتاً فاجأ النواب، إذ أتى قبل أقل من أسبوع على انتهاء ولايته، وبالتزامن مع الدعوات المتكرّرة التي يوجّهها الرئيس نبيه برّي لعقد جلسات الانتخاب. ولأن الدستور يمنح سليمان حق القيام بهذه الخطوة، ويحتّم على الهيئة العامة الاجتماع لمناقشة رسالته، التأم المجلس النيابي بدعوة من رئيسه أمس، قبل يوم من جلسة الانتخاب.
كانت مناقشة الرسالة هي العنوان العريض للجلسة، لكنها ما لبثت أن تحوّلت مناظرة سياسية بين نواب 14 آذار ونواب التيار الوطني الحر، حول «الحق الديمقراطي في مقاطعة جلسات الانتخاب» و«الواجب الوطني الذي يُحتّم تأمين النصاب والقفز فوق الطموحات الشخصية».
أصلاً لم يكن هدف سليمان الحقيقي وضع النواب أمام مسؤولياتهم، إذ لا مونة له على أحد منهم. كما لم يكُن هدف النواب الذين حضروا الجلسة مناقشة رسالته. فقد عقدت الجلسة وسط جدل دستوري حول وظيفة المجلس منذ 15 الجاري، تاريخ تحوّله إلى هيئة ناخبة، ومدى أحقيته في الاجتماع والتشريع. فقد رأى البعض أن برّي نجح في استدراج النواب المعترضين على حق المجلس في التشريع انطلاقاً من مواد الدستور التي تؤكّد عدم جواز اجتماع الهيئة العامة مع تحول المجلس الى هيئة ناخبة إلا بهدف انتخاب رئيس جديد. لكن مصادر رئيس المجلس نفت ذلك باعتبار أن «رئيس المجلس لم يدعُ النواب إلى جلسة تشريع، بل إلى جلسة توضع في إطار الاستحقاق الرئاسي». وفيما استغرب البعض حضور نواب تكتل التغيير والإصلاح الجلسة ومقاطعتهم جلسة الانتخاب اليوم، ردّت مصادر التيار بالقول «إننا حضرنا الجلسة لأنها جلسة مناقشة وليست جلسة اتخاذ قرار، ولكننا مصرّون على مقاطعة جلسة الانتخاب لأننا مقتنعون بأن الاستحقاق الرئاسي يحتاج إلى توافق» .
رفض جنبلاط اعتلاء المنبر وتحدث من
مكانه «حتى ما يغلط شي غلطة»
متأخرة عن موعدها ما يقارب نصف ساعة، بدأت الجلسة. فريق 14 آذار حاضر بأغلبيته الساحقة، وكذلك كتلة «التحرير والتنمية». كذلك حرص النائب وليد جنبلاط على الحضور شخصياً ومعه أغلب نواب كتلته. أما النواب العونيون فحضر منهم من يتولى عادة معركة الدفاع عن الجنرال، فيما تغيّبت كتلة «الوفاء للمقاومة» بأكملها. كاد مجلس النواب أن يكون ذكورياً بامتياز، لولا حضور وزيرة رئيس الجمهورية أليس شبطيني، فعوّضت عن غياب الثلاثي النيابي النسائي «بعذر». واقفاً، تلا الرئيس برّي رسالة سليمان التي لا تزيد على ورقتين. وفي أثناء الكلام «قلّب» النواب الرسالة الموزعة بين أيديهم كمن يتصفح ورقة امتحان باغتت الطلاب بصعوبة مضمونها.
وفور الانتهاء من قراءتها، فتح بري للنواب باب الكلام، فطلب نواب الحديث من على المنبر لا من مقاعدهم. وبرر النائب سامي الجميّل طلبه بأنه لا يريد أن يُصاب بـ«حردبّة» في ظهره. واستغل نواب 14 آذار الفرصة لتحويل المناقشة إلى كلمات إطراء على سليمان. وتساءل النائب سمير الجسر عن سبب عدم إعلان أسماء المرشحين الذين لا يزال بعضهم غير معروف، وعن عدم وجود وقت محدد لإغلاق باب الترشيح. بعده، تحدث النائب مروان حمادة عن رئيس الجمهورية الذي «تحول من شخصية عسكرية إلى شخصية مدنية حوارية طيلة مدة ولايته»، مشيداً برسالته. ولأن في المجلس من يعترض بالنظام، لفت النائب نقولا فتّوش الى أننا «لسنا في حفلة تأبين ولا حفلة مديح». وانتقد الرسالة من منطلق أنه «لا يحق لسليمان توجيه هذه الرسالة لأن المجلس لم يتخلّف عن أداء دوره في السعي الى انتخاب رئيس». وتعليقاً على ما ورد في رسالة سليمان عن الميثاقية، رأى فتوش أن «الشغور في موقع الرئاسة الأولى لا يضرب ميثاقية المؤسسات الأخرى».
وما إن أنهى فتوش حديثه، حتى تابع نواب 14 آذار حفلة «التبخير» لرئيس الجمهورية من بطرس حرب وإيلي كيروز، الى جنبلاط الذي لم يحذ حذو زملائه وفضّل الحديث من مكانه حتى «ما اغلط شي غلطة». ورأى جنبلاط في سليمان «رجلاً شجاعاً ومن القلائل الذين يتمتعون بدماثة الأخلاق». فالرئاسة، «تليق به، أما التجارب مع الغير فكانت مريرة»، و«الله يستر من يلّي جايي عالميلتين» كما قال.
النائب سامي الجميل وضع كل كلام والده الرئيس أمين الجميل المعتدل عن النائب ميشال عون جانباً، وشنّ هجوماً على من يقاطع جلسات الانتخاب بسبب «طموحه الشخصي». ورأى أن «التوافق حول رئيس الجمهورية ليس أمراً مطلوباً».
في مقابل حديث نائب واحد عن كل كتلة، تولى ثلاثة من النواب العونيين الدفاع عن موقف كتلتهم. حكمت ديب وألان عون وإبراهيم كنعان وقفوا للمواجهة. كان واضحاً غياب الكيمياء بينهم وبين نواب المستقبل. ما إن بدأ عون كلامه، حتى استنفر عدد من المستقبليين للخروج، وبقي آخرون بهدف إثارة الفوضى أثناء حديثه. الثلاثي دافع عن حق النواب في مقاطعة الجلسات إذ إن «كل الكتل النيابية استخدمت حقها سابقاً في تعطيل الجلسات» كما قال ديب، ولأن «مسألة نصاب الثلثين كانت الضمانة تاريخياً لكي لا تتفرد طائفة من المكوّنين الأساسيين للبنان في القرارات المصيرية» بحسب ما أشار عون. أما كنعان فقد أكد أنه «لا يجوز أن تكون الرئاسة الاولى بمعزل عن هذه الميثاقية التوافقية، وليس بتعطيل الدستور وبتعطيل المجلس الدستوري». ردّ الفعل العوني أثار جدلاً حسمه برّي بإعلانه «جلسة انتخاب الرئيس اليوم جلسة مفتوحة حتى انتهاء الولاية».
الأخبار