إننــا لم نعد نبكي على الحسين (ع) لأننا لا نتمثل في بكائنـا الأهداف السامية التي رسمها الحسين والتي جاهد من أجلها وضحّى بنفسه وأصحابه في سبيلها وإنّما أصبحنا نبكي على أنفسنا من أجل ثقل الظلم الذي نحس أنه واقعٌ علينا فقد أصبح البكاء على الحسين مغزىً من مغازي التمرّد الأعمى على الظلم المُستحكم الذي لايمكن إزالته ولا السّيطرة عليه ، والتخبّط الأعشى في بحرٍ لا يهتدي فيه من سبيل فإنّ الحزن والبُكاء في أصطلاح علماء النفس هو عاطفة الغضب مشوبةً بالإحساس بالضعف أيّ أن الحزن هو الغضب من شخصٍ لايستطاع دفعه او الانتقام منه إلاّ بالدموع وكذلك أصبح البُكاء على الحسين لايجمل إلاّ هذا المغزى الساذج البسيط الّذي لا يسمن ولايغني من جوع ، ونحن أمام الحاجة الملّحة إلى العمل الإسلامي الجبّار ، ك1لك صرنا نفهم البكاء ونفهم المآتم والمنابر الحسينية وفي سبيل ذلك نصرف الأموال ، وآية هذا الفهم أنه كلّما زاد إحساسنا بالظلم في وقتٍ من الاوقات زادّ صراخنا وعويلنا وبكاؤنا على الحسين ، وتذّكرنا لوقعة الحسين في أرض كربلاء .
ولكن ليتنا كنّا نعلم او نلتفت أن الحسين (ع) عندما أحسّ بالظلم لم يبكِ ولم يتفجع ولم يكتفِ بمجرّد ذرف الدموع وإنّما أسلم نفسه وخيرة أصحابه للموت في سبيل دفع الظلم والدفاع عن الحقّ ، وليتنا كنّـا نعلم انّ الحسين عندما ثار وعندما واجه الظلم بسيفه لم يكن يُريد منّا بأيّ حالٍ من الأحوال أن نستكين وأن نستحذي مكتفين بالتكرار تلو التكرار لفاجعته الأليمة في كربلاء ، وإنّمــا عمل ذلك العمل الجبّار ليكون قدوةً حسنةً تقتدي بها الأجيال وتستنير بها النفوس المؤمنة وتستمد منها قوّة الإيمان والعظيمة والإقدام ، وليتنا كنّا نعلم أننا نُؤمر بالبُكاء لمجرّد تجديد الذكرى ولأنّ البكاء غايةٌ نبيلةٌ في نفسه فإنه وإن كان في ذلك فائدة من حيث كونه شعاراً إسلامياً ولكن الشعار يصبح حبراً على ورق وجسداً ميّتـــاً بلا روح إذا تجرّد عن مغزاهُ العظيم ، وأهدافه السامية ، وإذا لم يكن لدى أصحابها شيءٌ آخر غير الدموع .
ولقد أثّــر فينا هذا الفهم الخاطئ لمغزى ثورة الحسين (ع) هذا الفهم الذي أستشرى فينا منذ سنوات الأولى لثورة شهيد كربلاء (ع) لكثير من العوامل النفسية والإجتماعية التي أقتضته لقد أثّــر فينا آثاراً بليغة جرّتنــا إلى ظروفٍ من الظلم والطغيان قد تفوق ظروف الظلم الذي ثار عليه الحسين (ع) فقد أصبح الفرد منّــا من جرّاء نسيانه لمغزى ثورة الحسين الحقيقي العميق لا يشعر أن عليه واجباً إسلامياً مقدّســاً هو أن يقف في الخط الأمامي في الدفاع عنه وأن لديه دينا إلهيـاً هو في أمسّ الحاجة إلى المساعدة والعون وإلى نصرته والدفاع عنه .
السيَّد الشهيَّد الصَّدر
إشراقات فكريّة : ج1 ، ص 110 .
المصدر: فضيلة الشيخ أسامة العتابي