كتب واصف عواضة:
يبدو ان الصراع في سوريا وعليها ,وكأنه بلغ مرحلة احراق مراكب العودة.فلا التحالف الاميركي الغربي السعودي التركي قادر على التراجع عن ضربة عسكرية حتى لو استهدفت مزرعة للدجاج,ولا الحلف الروسي السوري الايراني في وارد التنازل عن الرد على اي ضربة,الا اذا استنبطت القرائح الدولية صيغة مخرج كريم لكل الاطراف, يقود الى حل سياسي عبر مؤتمر جنيف الموعود.
البداية من واشنطن حيث يقف العالم على رٍجل واحدة, بانتظار قرار يتخذه رجل واحد قد يفضي الى كارثة دولية لن ينجو من آثارها أحد.لكن هذا الرجل,باراك اوباما, اثبت “حتى الآن” انه ليس متهورا ,وانه يحسب حسابات دقيقة لخطواته,لكنه قد يفعل العكس اذا ما ضاقت به السبل.هو لا يخفي ان أمن اسرائيل يأتي في الطليعة,وقد يكون وصل الى قناعة بأن خصومها مستعدون لقلب الطاولة على رؤوس الجميع.وعلى الرغم من الضجيج الاسرائيلي المنادي بالحرب على سوريا ,فأغلب الظن ان اسرائيل نفسها لا تريد ذلك على قاعدة “دعوا العرب يقتلون بعضهم البعض بهدوء” على حد ما اوردته صحيفة “يديعوت أحرونوت” قبل فترة.وحدهم المجانين (في نظر الكثير من الخبراء الاسرائيليين) من يحشر انفه في الازمة السورية ويتحمل اوزارا غير محسوبة.الا ان كل ذلك لا يغفر للادارة الاميركية تراجعها المهين عن وعودها بمعاقبة النظام السوري اذا لم يتأمن لها مخرج مشرف.
في دمشق يبدو ان كأس النظام قد امتلأ حتى النهاية ,ولذلك هو يتعامل مع الأزمة على قاعدة “إما قاتل أو مقتول”.وتنقل المصادر عن الرئيس بشار الاسد انه لن يتوانى عن استخدام كل الاسلحة المتوفرة بين يديه,كل الاسلحة وفي كل الاتجاهات, اذا ما تعرضت سوريا لأي ضربة عسكرية.لم يعد عنده ما يخشى عليه بعد ثلاثين شهرا من الحرب الضروس التي دمرت سوريا وهجرت شعبها وعطلت دورها في المنطقة ,وبضعة صواريخ بالزائد ,بعد الضربة الاميركية, من هنا وهناك لن تزيد الطين بلة على قاعدة “ما لجرح بميت ايلام”. لكنه في الوقت نفسه لا يقفل باب الحل السياسي على قاعدة انتخابات حرة ,وليشرف عليها المجتمع الدولي كيفما يشاء.
في طهران ثمة من ينظر الى سوريا بأنها شريان الحياة في الشرق الاوسط للسياسة الايرانية ومبادئها الثورية.طهران التي اثقلتها العقوبات الدولية سمع الموفدون اليها والزوار فيها من كبار المسؤولين الايرانيين انهم لن يتركوا سوريا وحدها ,ولن يسمحوا بسقوطها مهما غلا الثمن ومهما ارتفعت التكلفة.وقد ردت طهران كل العروض التي رفعت اليها لغض الطرف واقناع النظام السوري باستيعاب ضربة عسكرية حتى لو كانت شكلية.ويعرف الغرب ان ايران ستفعل وان إغلاق مضيق هرمز قد يكون في رأس الأهداف ,ما يمنع ثلث بترول العالم عن الخروج من الخليج , ويرفع اسعار النفط الى مستويات جنونية في ظل ازمة اقتصادية عالمية سوف تتفاقم بما لا تتحمله الدول المستوردة.
في موسكو لم يعد القيصر الروسي واهنا ولا مربكا بعد ان استعاد مجده التليد, ولا يزعجه مطلقا ان تغرق الولايات المتحدة من جديد في وحول المنطقة.وعليه هو يغطي حلفاءه سياسيا ويمد سوريا بالسلاح ولا يبذل اي جهد لايجاد مخرج مناسب للادارة الاميركية غير الحل السياسي المتوازن المستند الى مؤتمر جنيف.موسكو ليست مستعدة في النتيجة لخسارة آخر موقع لها في الشرق الاوسط واطلاق العنان ل”الارهاب” في منطقة على خطوات منها ,وهي التي عانت طويلا من شروره في القوقاز والشيشان وغيرهما.
وسط هذه الصورة تبدو السعودية وتركيا مع الضربة العسكرية لسوريا بلا حدود ولا محدودية ,في موقف يبدو اقرب الى الثأر من بشار الاسد ونظامه ,منه الى لعبة المصالح والحسابات.لكن هذا الموقف الذي بلغ اشده لا يقدم او يؤخر في الحسابات الاميركية, حيث لا تنظر واشنطن في المنطقة أبعد من المصلحة الاسرائيلية فضلا عن مصالحها الاستراتيجية.
في الخلاصة الايام المقبلة حرجة ومقلقة ودقيقة ,وقد تكون قمة العشرين في بترسبورغ في روسيا فرصة ثمينة لتفادي الحرب الشاملة, والانتقال الى مرحلة جديدة من التعاطي باتجاه الحل السياسي للازمة السورية والذي تبدو مؤشراته حتى الآن بعيدة المنال.
واصف عواضة
الوسومسوريا
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …