هكذا يرانا الإيرانيون

إننا نقدس الظالمين

كثيرا ما تشتكي قطاعات واسعة من الشعوب العربية من الاستبداد الذي تتعرض له على يد الانظمة الدكتاتورية، ولكن في الوقت نفسه، هذه القطاعات تمجد المستبدين والظالمين، حتى انها تبكي لموتهم وتشعر بحنين لايامهم.
قد يقول قائل ان هذا الحكم ظالم، ولايمت للحقيقة بصلة، ولكن التجربة التاريخية التي عاشها العرب خلال 1400 عام تؤكد هذه الحقيقة للاسف الشديد، وهي حقيقة واضحة لا تقبل اي تأويل او تبرير.
على صعيد التاريخ القديم، قدَس بعض العرب ظالميهم، ووضعوهم بمستوى خلفاء النبي (ص)، من امثال معاوية ويزيد وسلاطين ال امية وال العباس، وجعلوا من سفاحين لا تعرف الرحمة الى قلوبهم طريقا من امثال الحجاج بن يوسف الثقفي وقادة جيوش الامويين والعباسيين، ابطالا وقادة يحملون راية الاسلام .
هذه الرؤية المشوهة الى التاريخ الاسلامي هي التي وفرت الارضية اليوم لظهور الوهابية التي فرخت القاعدة و “داعش” والجماعات التكفيرية، التي تعتبر ما تفعله من فظاعات على انها الاسلام الاصيل، استنادا الى هذا التاريخ الدموي، الذي وصف ظلما، بأنه تاريخ الاسلام، والاسلام منه براء، وهذا البعض من العرب المعاصرين جعل من امثال الدكتاتور صدام حسين بطلا للعروبة والاسلام، وال سعود خدمة الحرمين الشريفين وحاملين لواء الاسلام، وجعل من الملا عمر اميراً للمؤمنين وكذلك ابو بكر البغدادي.
ولاثبات هذه الحقيقة، نستشهد بقضية معاصرة عشناها هذه الايام، وهي موت افراد عصابة البعث المجرم في سجون العراق، لاسباب مرضية، من امثال المجرمين طارق عزيز و وطبان التكريتي وسعدون شاكر، حيث ارتفع عويل بعض العرب لموتهم، لاسيما لدى جار العراقيين وهو الشعب الاردني، وتم تجنيد المرتزقة لكتابة المقالات للدفاع عن هؤلاء “الشهداء” وسيدهم، وامتلئ الفضاء المجازي، باشادات التكريم والتبجيل والاجلال لهؤلاء “الابرار والقادة الشجعان”، بينما ارض العراق التي لاتفصلهم عن الاردنيين، عنها الا بضع كيلومترات، تملأها المقابر الجماعية، التي زرعها هؤلاء “الشهداء” في ارض العراق وبلغت المئات، بل ان كل ما يحصل في العراق اليوم من دمار وخراب هو بسبب ما صنعته هذه العصابة في العراق على مدى اربعة عقود.
العطب الذي اصاب بوصلة هؤلاء الذين يدعون العروبة والاسلام، وجعلهم لا يميزون بين الظالم و المظلوم، ليس وليد الساعة، بل هو عطب يعود الى اعماق التاريخ، وهو الذي جعل اليوم “اسرائيل”، المغتصبة للارض والمقدسات الاسلامية، “صديقة” لبعض الانظمة العربية، حيث يتم العمل ليل نهار لتسويقها على انها كذلك، وهذا العطب هو الذي جعل “الجمهورية الاسلامية في ايران” “عدوة العرب”، وهذا العطب هو الذي جعل البعض يسعى للتحالف من “اسرائيل الصديقة” ضد “ايران العدوة”.
هذا العطب التاريخي هو الذي جعل من “رغد صدام حسين” “بطلة” تدافع عن “التراث العظيم لوالدها الشهيد القديس صدام حسين”، الرجل المسؤول عن كل ما يعاني منه العرب اليوم من كوارث، منذ ان تم تحريضه للاعتداء على ايران وغزو الكويت، وعندها انقسم العرب وضاعت فلسطين وغزت امريكا العراق، وانتشر التكفير بين الشعوب العربية، ينهش بها كما ينهش السرطان.
هذا العطب التاريخي، هو الذي جعل انظمة عربية متخلفة رجعية قبلية عميلة، تقود الشعوب العربية، كما هو اليوم، تحت قيادة نظامي السعودية وقطر، والويل كل الويل، لاي انسان عربي يتجرأ على انتقاد الوضع المتردي للعرب تحت القيادة السعودية، والويل كل الويل لكل من يربط التاريخ الدموي، الذي يوصف “الاسلامي ظلماً”، وبما يحصل الان للعرب والمسلمين، فأقل تهمة يمكن ان تُلصق به هي “الارتداد عن الدين”!!
لا يمكن اصلاح بوصلة بعض العرب، الا باعادة النظر في التاريخ الذي كتبه الظالمون، ولابد ان نشير بالاصبع الى الظالمين ونعرفهم على انهم كذلك، ونرفع عنهم تلك القدسية المزيفة، التي القت بثقلها على العقل العربي، فكان الظالم لدى هذا العقل “اميراً للمؤمنين ” و كان السفاح ” قائدا المسلمين”، وكان المعتوه “فقيه”، وكان المهووس “داعية ”، وكان السادي “مجاهداً”، فضاعت على الانسان العربي المقاييس، حتى وصل الامر بهذا العقل، الا يكتفي بوضع الامام الحسين (ع)، وشخص مثل يزيد في كفة واحدة، بل قدم الثاني على الاول، فهل يمكن لمثل هذا العقل ان يضع الحجاج وصدام وسلمان وابو بكر البغدادي، في خانة الظالمين؟، وهل يمكن لهذا العقل ان يقيم نظاما عادلا يحترم الانسان او يبني حضارة؟، لا وألف لا .. انهم قوم يقدسون الظالمين.

* سامح مظهر

المصدر: العالم

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …