هذا ما سيقوله السيد اليوم في موضوع الرئاسة

ندر أن يبادر «حزب الله» منذ نشأته الأولى، قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، إلى الإعلان مسبقا أن أمينه العام السيد حسن نصرالله سيخصص إطلالة سياسية للحديث عن موضوع سياسي وحيد: «الانتخابات الرئاسية».هذا ما يشي به الخبر الذي عمّمه إعلام «حزب الله»، عشية الإطلالة التي جرى نقاش حول أصل حصولها، أم يصار للاستعاضة عنها بموقف تصدره «كتلة الوفاء للمقاومة» (قبل أن ترجئ اجتماعها منذ أسبوع وبعده) أو بلسان أحد قياديي الحزب من أعضاء شورى القرار، قبل أن يحسم الأمر: لـ «السيد» الكلمة..

ومن الواضح أن اختيار التوقيت يعني أن «حزب الله» لن يحيد عن التقليد المتبع، منذ سنوات، بأن يخصص خطاب ذكرى استشهاد الحاج عماد مغنية في السادس عشر من شباط المقبل للتركيز على البعدَين الاسرائيلي والتكفيري، خصوصا أن التطورات على «الجبهة السورية» تبين، يوما بعد يوم، أن انخراط «حزب الله» بدأ «يؤتي ثماره السياسية والميدانية» على حد تعبير أحد الحزبيين.

وبطبيعة الحال، عندما يطل «السيد» للحديث في أي موضوع سياسي، سواء أكان محليا وتحديدا رئاسيا، أو إقليميا، فإن خلفية المشهد السوري ستكون هي الوازنة في العقل الاستراتيجي لحزب بات يحسب له في المعادلات الإقليمية حساب.. خصوصا أنه قدم نحو ألف شهيد وآلاف الجرحى والمعوقين في معركة، يجزم الحزب بأنها ستشكل حجر زاوية إعادة تشكيل خريطة التوازنات في المنطقة.

وإذا كان «حزب الله» لا يريد عادة زج «المناسبة الرئاسية» بمعطيات الميدان السوري، فإن «فائض القوة» المتأتي بجزء كبير منه، من حقيقة تحول الحزب إلى «قوة إقليمية» بفعل انخراطه في العديد من «الميادين»، لا مكان لصرفه في المعادلات الداخلية، وهذه نقطة مهمة لطالما حرص الحزب على توضيحها للكل في الداخل، باستثناء واقعة السابع من أيار 2008 بكل التباساتها واعتباراتها التي يضعها الحزب «في خانة محاولة المس بمنظومته الأمنية الإستراتيجية في مواجهة الخطر الإسرائيلي».

وليس خافيا أنه عندما بادر بعض حلفاء «حزب الله» في الداخل إلى الطلب منه عشية اتفاق الدوحة، أو مع بدء الفراغ الرئاسي في العام 2013، استخدام نفوذه لتغيير معادلات داخلية، كان الجواب حاسما: نحن يخدمنا سلاحنا في الإستراتيجية الكبرى في مواجهة إسرائيل.. أما في الداخل.. فهو مضر لنا وللحلفاء.

من هذه الزاوية، ستشكل إطلالة «السيد» محاولة لوضع النقاط على حروف «الموضوع الرئاسي».. وحتما لدى «حزب الله» ما يقوله، خصوصا بعدما كثرت التأويلات والتفسيرات والتحليلات لموقفه غداة لقاء معراب وتبني سمير جعجع ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية.

«الشيء الجديد» عند «حزب الله» لن يكون خروجا من ترشيح «الجنرال»، بل هذه مناسبة لتأكيد المؤكد، ولكن على قاعدة أن الحزب كان أوضح من غيره من القوى عندما تبنى عون مرشحا وحيدا للرئاسة ودعا الآخرين إلى تبني هذا الخيار، وبالتالي، ليس هو من صنف لاعبي «البليار» الذين يريدون من هذا الترشيح بلوغ مرشح آخر، كحال الآخرين، وبينهم جعجع نفسه الذي كان سباقا بإعلان ترشيح نفسه للرئاسة. هذا الوضوح سيعاد التأكيد عليه بلغة موضوعية وشفافة، وصولا إلى طرح السؤال حول مكمن العقدة في المسألة الرئاسية.

وبرغم قول أكثر من جهة سياسية لبنانية، أن المسألة الرئاسية لم تعد ضمن الحدود اللبنانية، بل أصبحت في الخارج، يتمسك «حزب الله» بمعادلة قدرة الداخل على انتخاب رئيس، ولذلك، سيجدد الدعوة إلى عدم انتظار معطيات خارجية يمكن أن تبدل موقف الحزب، لا في انتظار كل التسويات الإقليمية حتى يأتي دور لبنان (ربما بعد سنوات)، ولا بسرقة التسوية اللبنانية سريعا كونها «أسهل الملفات»، حسب اعتقاد البعض لبنانيا، وبينهم حلفاء لـ «حزب الله».

ولقد قيل في هذا السياق أن «حزب الله» محرج، وهو لا يخفي إحراجه بين «حبيبَين» هما ميشال عون وسليمان فرنجية، لكن الإحراج في «المحبة» لا ينسحب على السياسة، فـ «الجنرال» كان وسيبقى مرشح الحزب، وهو معني بحشد الآخرين لمصلحة مرشحه، بدءا من سمير جعجع الذي قرر أن يأتي متأخرا.. وصولا إلى سعد الحريري إذا قرر أن يتراجع عن مبادرته لمصلحة عون، وهو خيار يبدو حتى الآن مستبعدا، الأمر الذي يقود بطبيعة الحال إلى استمرار ترشيح فرنجية.. سياسيا.

في هذه النقطة تحديدا، ليس خافيا أنه من منظور «حزب الله»، يعتبر حصر المعركة بمرشحَين اثنين من فريق «8 آذار»، بمثابة انتصار سياسي لخياراته الإستراتيجية، وهو لن يفرط بمعادلة أن يكون الرئيس من فريقه، لا الآن ولا بعد سنوات، من دون أن يعطي لنفسه الحق بفرض مرشح بالقوة ولا تقديم مرشح على آخر بالقوة. ويمكن للعماد عون أن يستشهد بنمط علاقة «حزب الله» به، فلطالما تبنى الحزب خيارات في تشكيل الحكومات وفي الانتخابات النيابية، كما في استحقاقات عدة، آخرها قضية التعيينات في المجلس العسكري التي أفرجت، أمس، عن حكومة تمام سلام، ولو أنه لم يكن صاحب مصلحة فيها، أي بمعنى آخر، اضطر لمسايرة خيارات حلفائه من زاوية أخلاقية، ولو تناقض الأمر مع خياراته السياسية أحيانا.

وهنا تبدو القاعدة بسيطة للغاية، فما رفضه «حزب الله» لنفسه في زمن «الوصاية»، عندما كان يرفض أن تملى عليه خيارات معينة، يرفض أن يحوله إلى قاعدة للتعامل مع حلفائه، ولذلك، سيسعى الحزب بالإقناع والحوار إلى تكريس معادلة أن يكون لـ «8 آذار» مرشح رئاسي واحد، وأن ينزل هذا الفريق إلى مجلس النواب موحدا لا منقسما في خياراته، وهو لا يجد أن هناك ما يستدعي الاستعجال والتهور، طالما أن البعض لم يحسم خياراته.. والأهم طالما أن خريطة الإقليم كلها قابلة للتحول.

وهنا تكمن قدرة «حزب الله» على رمي الكرة في ملعب الآخرين، بدل أن يستمر تكرار معزوفة أن الحزب لو كان جديا بترشيح ميشال عون، فلينزل إلى مجلس النواب وليجبر الحلفاء على تبني خياره. هذا أمر لا ينتمي إلى مدرسة «حزب الله»، وحتما ليس موجودا في قاموس سمير جعجع أن يجبر «تيار المستقبل» على النزول إلى مجلس النواب، سواء أكان بوضعه وإمكاناته راهنا، أو كما كان قبل أكثر من ربع قرن من الزمن، وتحديدا قبل ولادة اتفاق الطائف!

وليس واردا في أدبيات «حزب الله» أن يدخل في سجال مع جعجع أو غيره من الأحزاب في الموضوع الرئاسي، ولو أن الآخرين يشتهون استدراجه، لا بل يطمحون إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بالمعنى الإيجابي للكلمة!

ولن يكون أمر الرئاسة معزولا عما عداه. هنا، لم تعد المسألة تحتمل أية التباسات جديدة. فالسيد نصرالله عندما بادر إلى طرح السلة المتكاملة كان يعني ما يقوله، وهو لن يتردد في إعادة تثبيت هذه الوجهة، والمدخل إليها بالتفاهم على قانون انتخابي يبدو الوصول إليه أصعب من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وهذا الأمر لا يعني أبدا الاستسلام إلى معادلة العجز، بل إطلاق ورشة حقيقية، يمكن عندها أن يكون التفاهم على القانون الانتخابي مدخلا لتفاهمات على الرئاسة والحكومة رئيسا وتوازنات.

لننتظر ما سيقوله «السيد» وهو على جاري عادته، سيكون قادرا على صياغة توليفة سياسية ترضي «الجنرال».. وتحفظ لسليمان فرنجية مكانته الاستثنائية عند المقاومة.

السفير 

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …